تمر بحياتنا أوقات نعجز فيها عن مواصلة السير، عن تحمل نبضنا وعن الرؤية بوضوح.. فتأتي يد لتدفعنا، لتمسح الغبار عن أعيننا وترينا جزءاً مشرقاً من الحياة قد أهملناه.. فقط من أجل هذه اللحظات يجب أن نختار تلك اليد بعناية..
فصفة "الصديق" أعمق من مجرد شخص يشاركنا الطريق أو مكان العمل الدراسة.. الصديق هو من نلجأ له عندما تشتد العتمة حولنا، عندما نحتاج لشخص يفهمنا أكثر منا ويذكرنا بأنفسنا عندما نضيع.. "الصديق" هو من لا يقبل أن نحكي له سعادتنا وحزننا، إنما يشارك معنا ما استطاع منها سبيلاً.. هو من لا نخجل من ضعفنا معه ونحكي له عما لا نحبه بأنفسنا وكأننا نحكي قصة لا علاقة لنا بها.
هو ذلك الشخص الذي نتجرد أمامه من كل زيف، من كلمات الجمع ومن المصطلحات الراقية، لأنه قد يفهمنا بمجرد النظر إليه بعمق.. هو من لا نمل من الحديث معه في توافه الأشياء؛ وجوده صاخب وصمت غيابه مميت.. قد لا نعبر له في كل مرة عن حبنا له وامتناننا بوجوده، لكن إحساسنا يصله بطريقة أو بأخرى.
إنه الأخ من غير صلة دم ودون أن نشاركه اسمنا العائلي، يسكن قلبنا ونملك من قلبه حيزاً غير صغير.. هو من يُغير مزاجنا من سيئ إلى ممتاز إذا حضر، من نحتفل معه بأعياد الميلاد وغيرها من المناسبات بعلبة بسكويت، ومن تكفي مرافقته لنمشي لمسافة كبيرة دون أن نتعب، ونتحمل تعب اليوم لأنه معنا.. إنه ذلك الشخص الذي نطلق عليه عشرة أسماء غير اسمه، نعاتبه، نستمتع بمضايقته وإحباطه.. لكننا لا نسمح لغيرنا بفعل المثل.. نشعر بالغيرة عندما يتقرب من أحدهم أو يطيل محادثته معه..
الكثير منا يخطئ عندما يظن أن الصداقة علاقة تتجدد مع تغير الأشخاص، لكنها في الواقع علاقة استمرار: فالصديق هو من قد يتغير حيزه المكاني دون أن يغادر قفصك الصدري.. قد تبتعد عنه بآلاف الكيلومترات لكن يظل ببالك دوماً. قد يفرقكما القدر، لكنك تذهب إليه راكضاً عند كل ضيق..
الصديق هو من تتصل به بعد منتصف الليل بساعات لتذكره أن لا ينسى شيئاً قد يهمله، هو من تظبط منبهك لترسل له "حظ موفق" قبل دقائق من امتحانه أو لتكون أول من تمنى له عيد ميلاد سعيد.
الصديق هو رجاء قد تحقق، وحياة صارت بهية بوجوده.. فليحمد الله من وجد ذلك الشخص!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.