غريب هو ذلك المبدأ.. الوصول لدرجة قتل النفس هرباً من أفواه جائعة وضغوط حياة بشعة قد تصل بالإنسان حد الجنون إلى أن يزهق روحه بيده، ظانًّا بأنه بذلك لن يتألم مرة أخرى لرؤية حلمه ينهد أو لسماع أطفاله الجائعين، أو ربما لن يسمع طَرقات الديّانة على باب بيته الذي يدخله متستراً بالظلام خوفاً من أن يراه أحد فيطالبه بما عليه.
على الرغم من غرابة المبدأ، إلا أنه منطقي جدًّا.. حيث الهرب للمجهول أو الهرب لله.. فهو بالتأكيد أرحم من هذه الحياة.. هكذا يظن المنتحر هي لحظة جنون.. تقتله الوحدة ويدمي قلبه الفقر.. لا يرى حلًّا.. نفق مظلم لا نور فيه.. ثم تأتي تلك اللحظة.. لحظة النهاية.. لحظة تحمل قهراً وذلًّا وأنانية لا حدود لها.
فلو فكر المنتحر للحظة في عائلته، وعمّا سيحدث لهم نفسيًّا واجتماعيًّا لما فعل ما نوى فعله.
غير أن هناك عدداً لا يستهان به ممن ينوون الانتحار.. هم لا يقصدون ذلك فعلاً؛ لذا تجد أولئك الأشخاص يحبون جلب الانتباه والضوضاء عند لحظة انتحارهم المزعومة، فيلجأ إلى أكبر مكان يتجمع فيه المواطنون ويسهل الوصول إليه من قبل الشرطة وأفراد الدفاع المدني لإنقاذه والإعلام لتغطية حدث انتحاره.. وفي المقابل يحصد تعاطف الجمهور فيجد من الجمعيات من يرفع عنه ولو جزءاً من تكاليف الحياة ويشعر من حوله بالذنب فيبدأون في مراعاة حالته النفسية وعدم إرهاقه.
هكذا أصبح الانتحار في بلادي هو الحل، ولعل أشهر من فعل ذلك وفجّر بعده ربيعاً عربيًّا أمسى خريفاً قاهراً هو محمد بوعزيزي، ذلك الشاب التونسي الذي وجد عالمه قد انهار وكرامته غابت فلجأ إلى إحراق نفسه بالنار.
فأحرق وطناً بأكمله دون أن يدري أحد بأن ثورته على الظلم قد سُرقت، وتحولت إلى كتلة نار أكلت أصحابها.
ويبقى السؤال.. هل ستتجه حكوماتنا إلى التصالح ووضع مصلحة الشعب أولاً؟!
هل سيجد الشخص كرامته وأبسط قواعد الحياة الكريمة؟
حسنا.. أنا لا أعتقد ذلك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.