في قصة من الواقع، امرأة وقع ابنها في حب فتاة وأرادها زوجة له، الأم عارضت بشدة فكرة الزواج وأخذت تشكك في نوايا الفتاة وأطماعها في التركة، حاولت جاهدة أن تجعل الابن يعدل عن قراره ويراجع اختياره، ولكن هذا الأخير لم يكن مستعداً قط وتحت أي مسمى، أن يتخلى عن فتاته. تزوج الحبيبان وكانا ينتظران مولوداً بعد أشهر قليلة، وكلما كبرت بطن الزوجة كبرت مخاوف الأم من قدوم الوريث واضمحلت آخر آمالها في التفريق بين الزوجين.
قد تبدو لكم القصة غريبة، كيف لأم بكل مشاعر الأمومة والحنان أن تقسو على ابنها؟ وماذا ستكون ردة فعلكم إن علمتم أنها عنفت زوجة ابنها لتسقط ما في بطنها وهو في شهره الثامن. لماذا في نظركم أسرد عليكم هذه القصة؟
الإجابة هي أني أريد أن أستدل من الواقع على ما يحدث في واقع آخر، وهو واقع الحكومة والشعب، وزارة الداخلية ومديرية الأمن ووزارة العدل، علاقة متشابكة معقدة متعدية، كلٌّ يتعدى على مسؤولية ومهام الآخر، واقع وطن لا يحمي أبناءه لأنهم اختاروا الدفاع عن حقوقهم، واقع غريب غامض ضبابي.
ندعي محاربة الفساد، لكن لم يسبق أن عاقبنا من يقترفه، واقع يحاول أن يجعلك أنت الآخر بدون طعم أو لون، إذا قبلت الدخول وسط الملعب السياسي، فإما أن تجرفك الضغوطات وتسحقك إن استطاعتْ، وإما أن تشل حركتك بحبل الاستفزازات، فترخيه متى شاءت وتحكم قبضته عندما تحاول أن تلعب خارج السياج وتصبح خطراً عليها، فتذيقك عندها من المر أنواع، أوله الكذب والتبخيس والتحريف وآخره تلفيق التهم والزج في السجون وحتى التصفية الجسدية لأن اللعب مع الكبار يفرض شروطاً أكبر.
قرأت مؤخرا تقرير المجلس الأعلى للحسابات فيما يخص أكبر ملفات الفساد، وهو بالمناسبة متاح للجميع ملفات منذ 1959 وما كان يطلق عليه حادثة الزيوت المسمومة وإلى فضائح وزراء الحكومة السابقة وصفقات الدواء وشقق باريز والشوكولا والمكتب الوطني للكهرباء وصندوق الضمان الاجتماعي وملفات أخرى، العجيب أن لا ملف فُتح ولا ملف أُغلق، بين البينين تماماً كسياسة المغرب الرمادية.
سجن بعض الحيتان الصغيرة وبقيت الكبيرة إما بكفالة وعدم ثبوت الأدلة، وبعضهم خرج من السجن ليحضر جنازة أحد أفراد عائلته ولم يعد إليه، وآخرون شملهم عفو الأعياد الوطنية والدينية، والفظيع في الأمر أن من يختلس هو نفسه من يندد وينشر ما يريد في منابر موالية له وهو نفسه من يخرج للعلن ويدعي محاربة الفساد ويطالب ربط المسؤولية بالمحاسبة حتى لم نعد نعرف من يحارب من.
سأعود بكم إلى قصة الأم التي حاولت إسقاط زوجة ابنها كآخر ورقة لإماطتها عن طريقها، فهذه القصة تذكرني بوطن من المفروض أن يحمي من له نية الإصلاح، ولكن ما نراه غير هذا، فبعض المسؤولين في وطني لا يريدون التخلي عن الأيام الخوالي، أيام الصداقات والصفقات والغفلة والريع، كل وسائل إزاحة الخطر عنهم متاحة ومشروعة من أسماء وأفعال التحكم والخروقات.
آخر كلامي، هو أن ما تواجهه الحكومة إلى الآن من تحريف وقلب للحقائق ما هي إلا مقبلات ولأنها لا تمتلك ضدها ملفات لتبتزها، ستهددها ب ورقة الأمن وتعثير العمل السياسي وتمييعه. أما مفاتيح الإصلاح ومحاسبة الجناة فلن يسلموها بسهولة، لن يسمحوا بتمزيق تكتلهم وقلع جذورهم من أرض أعطتهم الكثير وانتزعوا منها الكثير ظلماً وجوراً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.