أصدرت السلطات القضائية في مصر، مساء اليوم الإثنين ٢١ مارس/آذار ٢٠١٦، قراراً بحظر النشر في القضية المعروفة إعلامياً باسم "التمويل الأجنبي"، التي يعود تاريخها إلى عام 2011، وأُعيد فتح التحقيقات فيها الشهر الجاري استناداً لما وصفته السلطات بمعلومات جديدة.
واتهمت 14 منظمة حقوقية محلية السلطات المصرية بـ"الانتقام" من منظمات المجتمعين المدني والحقوقية عن طريق إعادة فتح التحقيقات في القضية.
في المقابل تقول السلطات القضائية في القاهرة، في تصريحات لمسؤولين فيها، إن إعادة فتح التحقيقات في القضية، في وقت سابق من الشهر الجاري، تأتي بعد ورود معلومات جديدة بشأن تورّط عدد من المنظمات الحقوقية والمدنية والشخصيات في تلقي تمويل من الخارج.
انتقام من النشطاء
المنظمات الحقوقية اعتبرت في بيان موحّد لها، أصدرته الإثنين 21 مارس/آذار 2016، إعادة فتح القضية "انتقاماً" من نشطاء المجتمعين المدني والحقوقي في البلاد إثر قرار البرلمان الأوروبي، الذي انتقد الوضع الحقوقي في مصر، وشكوى أرسلتها عدة منظمات حقوقية مصرية قبل أيام إلى المفوّض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، زيد بن رعد.
وفيما يعد محاولة لترويض تلك المنظمات وتحجيم دورها أشار البيان الموحّد للمنظمات إلى تعرّضها لهجوم إعلامي أمني حاد، بعد قرار البرلمان الأوروبي الذي انتقد فيه حالة حقوق الإنسان في مصر، وإرسال المنظمات (في 9 مارس/آذار 2016) مذكرة للمفوّض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة حول الشأن نفسه.
ولفتت المنظمات إلى أن قضاة التحقيق في قضية "التمويل الأجنبي" – التي قالت إنهم "منتقين بالاسم" – اتخذوا "إجراءات ضد قيادات وعاملين بعدد من المنظمات الحقوقية، واتسعت لتشمل أيضاً مكتب محاماة عريقاً تأسس منذ 75 عاماً، هو المجموعة المتحدة، الذي يضم محامين ومستشارين قانونيين، ومديره المحامي الحقوقي نجاد البرعي".
منع من السفر
وحسب المنظمات، تضمنت الإجراءات أيضاً "المنع من السفر، واستدعاء بعض العاملين للتحقيق، وصولاً إلى منع حسام بهجت مؤسس المبادرة المصرية (منظمة حقوقية)، وجمال عيد المدير التنفيذي للشبكة العربية (منظمة حقوقية) واثنين من أسرته من التصرف في أموالهم".
وذكرت في الصدد ذاته أن السلطات القضائية المصرية ولـ"دواعٍ أمنية" منعت سفر كل من: محمد لطفي مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات، وإسراء عبدالفتاح الناشطة في مجال حقوق الإنسان، وحسام الدين علي رئيس المعهد المصري الديمقراطي، ونائبه أحمد غنيم، والمحامي الحقوقي جمال عيد، والناشط الحقوقي حسام بهجت.
كما أصدرت السلطات قرارات مماثلة بحق قيادات وأعضاء في أحزاب سياسية؛ بينهم: عمرو حمزاوي، ومصطفى النجار، والناشطة السياسية أسماء محفوظ، دون إبداء أسباب، ودون استدعائهم إلى تحقيقات، وفق بيان المنظمات الحقوقية.
وفي بيانها، توقعت المنظمات الحقوقية "المزيد من الإجراءات القمعية والانتقامية (بحقها) في الفترة المقبلة"، لـ"إسكات الصوت الوحيد الباقي لضحايا جرائم حقوق الإنسان المقدرون بعشرات الآلاف"، بحسب تعبيرها.
واعتبرت أن "انفلات الأجهزة الأمنية – على حد وصفها – هو الذي يُسيء لسمعة مصر الدولية، وليس المنظمات الحقوقية".
ومن أبرز المنظمات الموقعة على البيان: "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، و"مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب"، و"مصريون ضد التمييز الديني"، و"نظرة للدراسات النسوية"، و"المفوضية المصرية للحقوق والحريات".
أصل القضية
وترجع بداية قضية "التمويل الأجنبي" إلى عام 2011، بعد شهور قليلة من ثورة 25 يناير/كانون الثاني، حيث واجه العشرات من الحقوقيين ومنظمات المجتمعيْن المدني والحقوقي، وبينهم مواطنون من جنسيات أميركية وأوروبية، اتهامات "بتلقي تمويلات من جهات أجنبية دون ترخيص".
ورغم صدور قرارات قضائية بمنع سفر المتهمين في هذه القضية، التي دارت أحداثها إبان حكم المجلس العسكري بعد تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك، فوجئ الجميع بسفر المتهمين الأجانب في القضية وعودتهم إلى بلادهم.
وفي أحد كتبه قال الصحفي المقرب من النظام في مصر مصطفى بكري إن إلغاء قرارات منع السفر بحق المتهمين الأجانب في القضية جاء وسط أجواء حملة دولية ضد حبس النشطاء بمصر، وضغوط بتهديدات اقتصادية.. حسب قوله
وتقول السلطات المصرية إن القضاء المصري "مستقل"، وتنفي أي اتهام له بأنه "مسيّس".
حظر للنشر
وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية إن قرار حظر النشر أصدره هشام عبدالمجيد، قاضي التحقيق في القضية، مساء اليوم، ويشمل "جميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وكذلك الصحف والمجلات القومية والحزبية اليومية والأسبوعية المحلية والأجنبية، وغيرها من النشرات أياً كانت، وكذا المواقع الإلكترونية".
ويستمر نفاذ القرار حتى انتهاء التحقيقات في القضية، ويستثنى من حظر النشر البيانات التي تصدر عن قضاة التحقيق، حسب الوكالة المصرية.
وتقول السلطات القضائية في القاهرة، في تصريحات لمسؤولين فيها، إن إعادة فتح التحقيقات في القضية، في وقت سابق من الشهر الجاري، يأتي بعد ورود معلومات جديدة بشأن تورط عدد من المنظمات الحقوقية والمدنية والشخصيات في تلقي تمويل من الخارج.
البرلمان الأوروبي
وفي 10 مارس/آذار ٢٠١٦، صادق البرلمان الأوروبي على قرار يقول إن حالات الاختفاء والتعذيب "أصبحت شائعة في مصر"، ويدعو القاهرة للتعاون بشكل كامل مع إيطاليا في واقعة تعذيب وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني (28 عاماً).
ودعا القرار أيضاً الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي للضغط على مصر لتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان.