قبل أيام احتفلنا بـ "يوم المرأة العالمي"، واليوم نحتفي بعيد الأم، احتفى بها وتفاعل معها الآلاف من النشطاء؛ فهذا المدير قد أحضرَ لموظفاته -كعكةً- تقديراً لجهود عامٍ مضى من التعب أو الهلاك إن صحّ التعبير، وذاك الأب حضّر وأبنائه هديةً لزوجته وأمهم اعترافاً بجميلها!
ومئات الـ"ستيتَس" التي ضجت بها مواقع التواصل وآلاف التغريدات والسنابات والتهاني والشعارات والهدايا وعبارات الثناء والاستطلاعات والمطالبات بضرورة نيل المرأة حقوقها والتدوينات.
فهذا يكتب وتلك تُدوّن وأولئك يلتقطون "السيلفي "مع نسائهم؛ والكل يُمجّد ويحمد ويشكر ويُثني ووو.. في هذا المخلوق الذي بدا كأنه قد أتى من الفضاء، فوجب على الجميع أن يُعِدّ الحفلات والاستقبالات والمؤتمرات لاستقباله؛ لأنه وبعد 24 ساعة فقط سيعود مجدّداً عبر مكوك الفضاء إلى كوكب "الزهرة" ويبدأ العدّ التنازلي للعودة في العام القادم بنفس الوقت والظروف!
تمر الاحتفالات وتنتهي، و"تعود ريما لعادتها القديمة" تعود الموظفة المسكينة تعمل طوال 12 ساعة متواصلة دون أن تنبس ببنت شفة، فلا بُد أن مورفين كعكة الأمس يقوم بدوره على أكمل وجه..
والأم/الزوجة المُحتفى بها قبل ساعات عادت إلى دور "دودة" المنزل، فهي تقضي اليوم تدور كَمَيل ساعة نشيطة في البيت تُعد ما يريده زوجها وتنظف أولاده وبيته لأجله هو؛ وقد تُنجب لئلا يُفكر في الزواج بأخرى، تدور حول نصف "دزينة" أطفال في منزل يعج بالفوضى رغم أنها أفنت 97% من طاقتها في ترتيبه دون معين؛ ثم تتحوّل إلى دب إفريقي أسمر يرتدي ثياباً برائحة البَصل المحروق والسمك المقلي وشعرٍ مرفوعٍ للأعلى.. فهي قد استنفذَت طاقتها في البيت ولم تجد مُتسعاً للعناية بنفسها؛ ثُم تمضي أسوأ ليلةٍ في حياتها تضع رأسها على وسادةِ احتقارٍ بلا أي حُلم.
هذا ما يحدث واقعاً؛ فما حَدث بالأمس لم يكن سُوى "غلطة" لا بأس من تكرارها مرةً كُل عام.
ولكن.. مهلاً عزيزتي الأنثى؛ ألم تتساءلي وبعيداً عن كل المثاليات الممكنة "أين أنتِ من كُلِّ هذه الفوضى؟
أين مساحتك أنتِ؟ أين أحلامك العظيمة؟!
بل لماذا لا تجعلي العامَ كُله يوماً لكِ يُحتفى فيه بعظمتك وإنجازاتك؟
لِمَ تنتظرين من "ذكرٍ" لم يعِ يوماً المعنى الحقيقي للأنثى والأمومة والزوجة أن يُقدسك في يوم أو بضعٍ منه ثُمّ يُمضي بقية عامه لا يُلقي لكِ بالاً؟
هل شعرتِ بفوات الأوان؟.. لا تستمري بالغباء، أنتِ حقاً تستطيعين أن تكوني ما أردتِ.. لا تتفاجأي ولا تسخري من كلامي، أنتِ حقاً كما أردتِ، ولكنك ابتعدتِ بعض الشيء عنكِ فنسيتي نفسك؛ هذا ليس مدعاةً للحزن أو ندب الحظ على العمر الذي يضيع بلاكِ أبداً..
يقول كونديرا "إن الواقع ما هو إلا مجموعة اعتباراتٍ محضة" حيث يمكننا تغيير الواقع من خلال تغيير اعتباراتنا؛ أعرف أن الأمر سيبدو مزحةً سَمِجة.. ولكن أنت تدركين جيداً أنكِ لو غيّرتِ اعتباراتك للواقع فهذا هو الشيء الأرخص المتوفر بين يديكِ ولن يكلفك ذلك قيد أُنملة..
بمعنى أدق؛ أنتِ لا تستطيعين إطلاقاً تغيير اعتبارات المجتمع، سيقيس المجتمع مقدار نجاح زواجك بمقدار رضوخك واعترافك بسيادة زوجك، وسيقيس مقدار نجاح عملك بمقدار رضوخك لأوامر مديرك وهذا أمرٌ مفروغٌ منه.
ستكونين أمًّا ناجحة وموظفةً ناجحة وطالبة ناجحة لو تنازلتِ عنك؛ لو جعلتِ أحلامك تتقارب مع الواقع قدر الإمكان.
لن أقول لكِ تمردي وقفي عكس التيار؛ بل كوني أنتِ التيار.. وهذا مجرد تغيير لاعتبارك لا أكثر؛ فبدلاً من أن نعتبر أنكِ قلصتِ أحلامك حتى اختفت سنقول أنكِ عدّلتِ أحلامكِ لتناسبك؛ وهي لم تختفِ بل تحققت بطريقةٍ أنسبَ مما كُنتِ تحلمين!
كوني أكثرَ ثقة بالقدرة العليا التي ترتب حياتك، كوني واثقة أن حكمة الله تجاوزت إدراكك لها، ولهذا حقق لكِ أحلامك لتناسبك بطريقةٍ سترضيكِ أكثر مما لو كانت نسخةً طبق الأصل عما كان يدور في نفسك.
لا تعتبري تقليصك لأحلامك تنازلاً.. بل تغيير اعتبار.
دعي سفينتك تسير واعتبري نفسك ربانها.. اصنعي لنفسك كل يومٍ عيد ولتقولي لها كل صباحٍ "كل يوم وأنتِ أقوى".
اعتبري أنكِ سيدة عالمك؛ صدقيني سيعتبرك الجميع كما أنت تعتبرين نفسك.
وتذكري.. أنتِ كبيرة؛ كبيرة لدرجة أن يوماً واحداً لا يسعكِ للاحتفاء بك.. وأن العالم لا يسعُ إنجازاتك.. ودليلُكِ اليد الطموحة الممتدة خارج أبعاد الكون.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.