عندما أنتهي من قراءة قصة أو رواية تاريخية، كنت أبدأ في البحث عن رواية جديدة تتناول موضوعاً جديداً لم أصادفه من قبل.
عندما قرأت جزءاً من ملحمة الأمير حمزة البهلوان، وجزءاً من سلسلة "جوهان الشجاع"، أحسست بأن عالمي تغير، هو عالم أحببت أن أعيشه؛ لأن بناء الحدث فيه كان رائعاً ومقنعاً إلى حد كبير.
من هنا بدأت رحلتي مع التاريخ والروايات التاريخية والفانتازيا التاريخية. لم أكتفِ بما قرأت وكان في الناصرة مكتبة عامة تقع في سوق الناصرة، اسمها مكتبة البشارة، وكانت القيّمة عليه سيدة إسبانية تعرف العربية، وكانت سيدة لطيفة بكل المقاييس، كانت تطلب منّا دائماً أن نلتزم الصمت، وتشجعنا على القراءة من خلال اختيارها لنا القصص والروايات المناسبة، في تلك المكتبة إكتشفت كثيراً من الروايات الرائعة، حيث قرأت روايات أجاثا كريستي، وأرسين لوبين، وتاريخ الإمبراطوريات الرومانية والبابلية والفرعونية وغيرها.
في تلك المكتبة عثرت على رواية سنوحي وهي تتناول قصة طبيب مصري عاش في فترة الفرعون إخناتون، والفرعون توت عنخ آمون، والفرعون حورمحب ونفرتيتي، تبين لي أن الرواية مترجمة، وهي رواية من أكثر من ألف صفحة، وهي ترجمة لسيرة طبيب مصري ينفيه الفرعون حورمحب إلى ما يعرف اليوم بالساحل الغربي للسعودية، في ذلك المنفى كتب سنوحي سيرته منذ أن عثروا عليه في سلة على شاطئ النيل إلى أن أصبح الطبيب الخاص لفرعون؛ ليكتشف بعد ذلك أنه الأخ غير الشقيق للملك، ولكنه آثر السلامة وأختار أن يبقى طبيباً في البلاط الملكي يشارك في علاج الملك وحاشيته وفي حبك المؤامرات لصالح الملك؛ ليبقى فرعون على عرشه ويسافر سنوحي في سفارات إلى أرض كنعان وبابل ودمشق وكريت وأماكن أخرى. انتهت مسيرة سنوحي بنفيه بعيداً عن مصر؛ ليعثر علماء الآثار بعد أكثر من ألفي عام على أوراق البردي التي تحوي هذه السيرة المثيرة للجدل.
ما الأمور التي أثارت فضولي هو كيف تفاجأ سنوحي عندما تعرف في بابل على طير داجن يسمونه الدجاج، وكيف يأكل أهل بابل بيض هذا الدجاج، هذا الاكتشاف ذكرني كيف سقطت مصر تحت سنابك الخيل الذي امتطاها الهكسوس، عندما غزوا مصر وحكموها أكثر من مائة عام بفضل هذه المفاجأة، وربما يكون الأمر أسطورة أو خيالاً، ولكن سقوط إمبراطوريات المايا والأزتك تحت سنابك خيل الجنود الإسبان كان حقيقة تاريخية لا يمكن تجاهلها.
مع الأيام اكتُشفت أن سنوحي شخصية لم تثر اهتمام أحد غيري، ولم أصادف أحداً يذكر قصة سنوحي؛ ولذلك فقد أعتبر سنوحي شخصية أملكها، ولن أشارك قصته مع أيٍّ كان، لكنني تفاجأت قبل عدة سنوات كيف كانت قصة سنوحي مادة لحلقات تلفزيونية في محطة أبي ظبي، غضبت لأن هنالك أحد غيري يعرف هذه الشخصية، بل يستضيف مؤرخين ليتحدثوا عنه بإسهاب، عندها عرفت أن عدم مشاركتي للغير في هذه المعرفة يضر أكثر مما ينفع، تعلمت أن هذه الحميمية التي رافقتني خلال سنوات كثيرة منحتني الإحساس الجميل، ولكنه هذا الإحساس تبخر بمجرد أن نشرت المحطة الفضائية قصة الطبيب المصري الذي كان صادقاً في أحاسيسه وتصرفاته، ونُفي لأن الفرعون أحس بخطر نشر سيرته على يده. هذه قصة عالمية بكل المقاييس، بقيت آلاف السنين طي النسيان، حتى كشف الأمر عالم آثار غربي.
لم يكن سنوحي إلا شخصية من كثير من الشخصيات المثيرة للاهتمام، والتي رافقتني خلال فترة الطفولة والشباب، وسوف أتناول في الجزء الثالث قصة الأمير حمزة البهلوان، وكيف نجحت في شراء الأجزاء الأربعة للملحمة بعد سنين طويلة من البحث والتفتيش. لا أعتقد أن هنالك متعة توازي تلك الأحاسيس التي انتابتني بعد أن تأكدت من الحصول على كنز لا يقدر بثمن وما زلت إلى اليوم أقرأ قصة الأمير حمزة البهلوان كأنني أقرأها لأول مرة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.