صرخت من على المنصة الرئيسية لساحة التغيير في العاصمة صنعاء "يلحل عبدالله صالح.. يلحل.. يلحل.. قتل بابي"، ومن ثم انفجرت باكية ومعها دموع الآلاف من المطالبين بسقوط نظام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وبعد 5 أعوام تقول عتاب المنيعي لأقرانها بكل فخر إنها "ابنة الشهيد".
تتذكر الطفلة عتاب التي أصبح عمرها 10 أعوام، تلك اللحظة، لكن والدتها لم تحب أن نعيد لها تفاصيل أحداث القصة التي تُثير حساسيتها ونفسيتها المكلومة، القصة بدأت منذ أن فقدت والدها الذي قُتل برصاص قناصة صبُّوا جام غضبهم على متظاهرين سلميين في 18 مارس/آذار 2011، وقُتل نحو 52 مدنياً، أو ما يُسمى "مذبحة جمعة الكرامة".
يومها كانت "عتاب" تبلغ من العمر 5 أعوام، لكن والدها كان قد فارقها وشقيقتها دعاء في عام 2009، ولم يُعد إليها في قريتها بمحافظة إب (وسط البلاد) إلا جثة مسجّاة.
تحولت الطفلة ذات الوجه الذي أصبح مألوفاً لدى اليمنيين والمخضب بالدموع ويعلو رأسها وشاح العلم اليمني إلى أيقونة للثورة، تفنن الرسامون في صنع اللوحات الجميلة بوجهها بينما خلدتها الأغاني وقصائد الشعراء.
في الذكرى الخامسة للثورة، وبعد عناء شديد عثرنا على "عتاب" وأسرتها، هي اليوم تسكن في قريتها بمحيط مدينة إب بعد أن غادرت وأسرتها منزلهم في المدينة؛ بسبب تردي الأوضاع في المدينة وتزايدت نسبة الجرائم والاغتيالات.
تعزو أم عتاب مغادرتها وطفلتيها المدينة إلى "الخوف عليهما من الأوضاع المتردية، لا أريد أن أخسرهما، لقد أعطيت كل حياتي لأجلهما ولن أتراجع عن ذلك، فهما كل حياتي ولا أملك في هذه الحياة غيرهما". وحين حاولنا الاتصال بها لم ترد على الهاتف إلا بعد محاولات عدة وتدخُّل إحدى الشخصيات التي لها اتصالات دائمة بها.
تُضيف أم عتاب: "حتى الأرقام الغريبة على هاتفي لا أرد عليها، الأوضاع تخيفني لدرجة كبيرة".
وقال محمود، وهو أحد المقربين للطفلة عتاب، إن الأسرة عادت إلى منزل جدها في القرية، وانخرطت الطفلتان في العائلة الجديدة لتبدآن مرحلة مختلفة في حياتيهما، رغم الأسى الذي يعتلي وجهها وشقيقتها منذ 5 أعوام مضت.
التحقت عتاب بالمدرسة، وهي اليوم تدرس في الصف الرابع الابتدائي، وشقيقتها دعاء في الصف الثالث بمدرسة القرية، وتركزان اليوم في دراستيهما وتحاولان أن تبتعدا عن المآسي اليومية التي تشهدها البلاد خلال العامين الماضيين بمساعدة والدتهما.
تقول عتاب لـ"عربي بوست" وهي ممتلئة بالثقة ومتمالكة لنفسها، إنها تتذكر ذلك اليوم حين انفجرت باكية أمام الآلاف من الناس وهي على المنصة الرئيسية للثوار، وحينذاك كانت عدسات الكاميرات تنقل قصتها للعالم، حتى أن مذيع تلفزيون "الجزيرة"، جمال ريان، كان يروي قصتها والحشرجة تخالط صوته المميز على المحطة التلفزيونية العالمية.
لكن والدتها وأفراد أسرتها حرصوا على ألا نعيد فتح تلك القصة أمام الطفلتين، وحين قلنا لها إن الحادثة لها ارتباط بتغطية الذكرى الخامسة للثورة، كان ردُّها أنها لا تعلم أن يوم أمس الخميس يُصادف ذلك "ولو كنت أعرف كنت سأشارك في هذه الذكرى الكبيرة".
تعاني عتاب من أزمة صدرية مزمنة، ومن العاصمة صنعاء يبعث لها متبرعون بمبلغ مالي 20 ألف ريال يمني، أو ما يعادل 100 دولار أميركي، من أجل شراء العلاج لها بشكل مستمر، تقول والدتها إن مرض عتاب يعزز من الصعوبات التي تشهدها الأسرة الصغيرة، وتضيف أن الأسرة تعيش على حد الكفاف "الحال ميسور إن شاء الله".
تُضيف أم عتاب أنه في عام 2011 جُمع للأسرة مبلغ جيد، ما يُقارب مليون ريال، أي نحو 4500 دولار.
حاولنا أن نتحدث مع الطفلة عتاب حول حياتها أكثر، لكننا جوبهنا بمعارضة شديدة من أفراد أسرتها، حتى أننا لم نحظَ بالحديث معها بشكل أفضل، لكن والدتها تقول إن عتاب لا تزال مصرِّة على أن والدها "استشهد في سبيل قضية سامية ونبيلة"، وأنها تتمنى أن تسير على خُطى والدها.
يقول أحد أفراد أسرتها إن الطفلة أصبحت أكثر حساسية تجاه العنف والأحداث، وإن أخبار الحرب فاقمت من الشعور بالرهبة التي تعيشها الطفلة وشقيقتها، وبناءً على ذلك لم يتحدث "عربي بوست" مع الطفلة حول تفاصيل مأساتها بشكل أوسع.
تتحدث الأم على لسان الطفلة بأنها تسعى إلى السلام وتحقيق مستقبل أفضل لها، فيما ترى أن الثورة الشعبية "كانت ناجحة إن شاء الله، ولن نتراجع مهما وقع في تحقيق العدل بعد أن خسرنا أغلى ما نملك".
وتردف: "إن شاء الله كل شيء يتصلح، فالقضية عادلة، وسيسري عدلها على اليمنيين واليمن".