"لا حدود لقسوة الحياة وتجاربها". هذه هي الحقيقة التي لا تقبل أي سجال أو جدال. فلا تتوقع لنفسك أن تعيش في الجنة ونعيمها طالما تستنشق رئتاك الأكسجين وتزفر ثاني أكسيد الكربون.
ستظل يوماً بعد يوم تخرج من تجربة إلى تجربة ومن امتحان إلى امتحان، قد تجد تجربة مريرة وأخرى سعيدة، تجربة طويلة وأخرى عابرة، تجربة ممتعة وأخري مملة.. إلخ. ستختلف التجارب التي تمر بها في أنواعها وطريقة تفاعلك معها، ولكنك في كل الأحوال لن تكون خاسراً، حتى وإن بدا لك في وقتها عكس ذلك. قد تخسر مالاً أو وظيفةً أو رفيقاً أو عزيزاً.. إلخ، لكنك لن تكون بعد التجربة مثلما كنت من قبل أو هكذا يجب أن تكون.
للأسف، هذا لا يحدث دائماً على أرض الواقع، لأنك تجد الكثير ممن يمرون ببعض التجارب القاسية، يستسلمون وينهارون من أول جولة. مثل هؤلاء لم يدركوا يوماً الماهية الحقيقية للحياة، وأن حياتنا ما هي إلا مجموعة تجارب متعاقبة تنتج عنها خبرات حياتية متنوعة. مثل هذا التنوع في الخبرات يمثل فيما بعد تجسيد لشخصياتنا وكيفية تناولنا للأمور في المستقبل.
بكلمات أخرى، كلما مررت بتجارب أكثر في حياتك، ازدادت خبراتك الحياتية واختلفت نظرتك في تناول الأمور، وأصبحت أكثر نضجاً في معالجتها.
ولتعلم يقيناً أن عقارب الساعة لم ولن ترجع للوراء في يومٍ من الأيام، وهكذا يجب أن نكون جميعاً، "في وضع الحركة للأمام دائماً، بلا تهاون أو تراخٍ، بلا تَعَجُّل أو تهور". الدنيا لن تقف عليك إذا وقفت أنت مكانك متعللاً بفقدانك أغلى ما تملك. لن تعود عقارب الساعة إلى الوراء لتعيد إليك وظيفتك أوحبيبتك، ولن تمتلك البلورة السحرية لترى فيها مستقبلك، ونتيجة قرارتك التي تتخذها الآن. كل هذا لم ولن يحدث، فلم نسمع عن أحاديث الماضي تعيد هذا الماضي إلينا أو تغير فيه شيئاً وأيضاً لا ينبغي علينا أن نؤمن بكلام العرَّافين والدجَّالين عن المستقبل فهذا كبيرة من الكبائر.
إذا أقنعت نفسك يوماً أن الوقوف "محلك سر" هو الحل لمشكلة من المشكلات فأنت مخطئ لا محالة، فالحياة لم تتوقف مع انهيار حضارات عريقة دامت آلاف السنين، ولم تتوقف بموت الأنبياء، ولم تتوقف مع كل ما يحفل به التاريخ البشري من الصراعات والحروب الدموية. لم ولن تتوقف الحياة يوماً لفقدان شيء مهما علت قيمته أو شخص مهما بلغت منزلته.
إنه الحاضر والحاضر فقط الذي يجب أن نعيشه وبكل قوة، إنه الحاضر الذي يجب أن نحياه بكل جوارحنا وبكل ما نملك من طاقة إيجابية نحو التغيير.
طريقة تناولك للأمور وكيفية مواجهتك للتجارب التي تمر بها هي وحدها التي ستحدد مستقبلك وهي وحدها الماضي الذي ستسرده في المستقبل لأحفادك عندما تصير هذه التجربة وغيرها من ذكريات الماضي. تحلَّ دائما بالشجاعة والصبر وتعقَّل دائماً في كل أمورك ولا تُغَلِّب أبداً قلبك على عقلك فيختل ميزان حياتك.
اعتمد على نفسك، فهي الوحيدة التي تمتلك كل مفاتيحك وتعرف كل نقاط قوتك وضعفك، وهي الوحيدة التي تعلم ماضيك بكل تفاصيله وتتمنى لك مستقبلاً أفضل بكل إخلاص. اعتمد على نفسك ولا تضعف ولا تتخذ الظروف حجة جاهزة لفشلك وضعفك، فآلاف الأشخاص الناجحين الذين وقفوا في وجه الظروف المعاكسة وحولوا فشلهم إلى نجاح لم يتركوا لنا أدنى حجة في أن نفشل أو أن نضعف.
ابدأ بداية جديدة.. وخض التجارب متحليًّا بحكمة لقمان وصبر أيوب ولا تخرج منها خاسراً، مما سيجعلك تتباهى في المستقبل بما تملك من خبرات، لم تكن في الأساس إلا تجارب مريرة في حينها.
وفي النهاية تبقى لي كلمة:
إذا لم تواجه الصعاب في حياتك ولم تمر بالتجارب حلوها ومرها، فكيف يكون التمييز بين السراء والضراء وكيف ستشعر بالسعادة بعد الشقاء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.