التلقائية والطبيعة والجمال.. سونيا وحنان

الكثير والكثير ممن خدعتهم المظاهر قيّموا أنفسهم ونظروا لها نظرة دونية لمجرد أنهم ليسوا بمقاييس الجمال التي تعارف عليها المجتمع، حتى أنه بات جزءاً من أن تكون ناجحاً أن تكون وسيماً أو تكون هي ذات جسم ممشوق ووجه فاتن.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/17 الساعة 08:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/17 الساعة 08:08 بتوقيت غرينتش

(1)

"سونيا" أمٌّ إسترالية لفت نظرها ملامح عرائس ودُمى الأطفال، أنها ذات ملامح إغراء بعيدة كل البعد عن براءة الأطفال، لا تشبههم ولا تشبه عالمهم الجميل، فبدأت في شراء هذه الدمى وتغيير هيئتها إلى دُمى بملامح بريئة مناسبة للصغار بأدوات بسيطة وبصناعة يدوية، وأصبح لديها موقع خاص يمكنك أن تشتري منه ألعاب وأدوات مصنوعة بطريقة يدوية خاصة.

استطاعات ببساطة أن تفعل ما هي مقتنعة به، أن تترجم الكثير مما ننتقده من هيمنة المادية والنظرة الاستهلاكية، وتحويل كل شيء إلى مظاهر وجنس ومتعة، يبدو أن الإنسان حين يُقرر أن يُترجم أفكاره ينتقل سريعاً من ساحة الفعل الكلامي إلى ترجمة قناعته واختبارها.

(2)

"حنان الحروب" المعلمة الفلسطينية التي فازت بلقب أفضل معلمة على العالم، حنان معلمة في رام الله، وبإمكانات بسيطة عملت على خلق مفهوم خاص للتعليم ومنهج يساعد الأطفال على تجاوز الصدمات التي يعيشونها ويراعي ما يعيشه الفلسطينيون جراء الاعتداءات الإسرائيلية، لم تكن في حاجة إلى تسويق نفسها أو صناعة بروبغاندا كي تفوز باللقب، ولكن يبدو أنها انغمست بكل كيانها في عمل تحبه، فكانت هذه النتيجة.

كثير من المسابقات كان له دور في أن يهتم الناس بالمظاهر والشكليات وتسويق أنفسهم، مما جعل الكثير من الشباب ينظر إلى الأعمال العادية كأن يكون موظفاً يحب عمله أو طبيب في عيادته أو مهندس أو معلم، على أنها ليست في دائرة النجاح والتميز، لأنها لا تجلب له تلك النظرة بالفخر والتقدير، فبات الكثيرون يفكرون بشكل يجعلهم يدورون في الهواء بلا طائل وتركوا ما يمكن أن يستمتعوا بعمله لتأثرهم بأن النجاح هو أن تكون كاتباً له جمهور أو لك مشاهدات عالية على يوتيويب أو أعلى عدد معجبين على سوشيال ميديا، أي إنجازات متعلقة بوجود جمهور، وليس لأن هناك ما انشغلت به، وهو لذاته كان سبب تميز دون قصد..

أما هنا فحنان معلمة، مجرد معلمة في مدينة لبلد محتل، لا تملك سوى تلاميذها وشغفها بالتعليم وبمهنتها، بعيداً عن أضواء المسابقات والجوائز التي أتت راغمة إليها داخل صفها مع التلاميذ.

انظروا إلى ملامح حنان وملامح سونيا جيداً.. هناك تشابه كبير في تفاصيل الوجه الذي يحمل شيئاً يمكن فهمه ببساطة، هذا الشيء الذي تود أن تقوله كثيراً في زمن مدهون بطلاء مزيف..
تود أن تقول أن هناك جمالاً ما يطغى على المرء لشيء نقي فيه دون تصنع، تود أن تقوله لبعض الفتيات اللاتي ينظرن إلى أنفسهن بدونية؛ لأنهن لم يحققن معايير الجمال التي تعارف عليها المجتمع من صور خادعة على إنستغرام والحملات الدعائية، وبعض الذين اشتهروا لمظاهر خادعة فيهم وانساق لهم الجمهور، أو بعض الشباب الذين تأثروا بنظرات الإعجاب لمطرب أو كاتب أو مقدم برامج تميز في عمله؛ لأنه تميز فيه بالفعل فهرعوا إلى نفس المساحة ظناً منهم أن كل تميز يجب أن يكون بهذا الشكل.

الكثير والكثير من السعادة تختفي حين ينساق الإنسان إلى ما لا يشبه، أو ما لا يحبه لمجرد أنه يود أن يتحصل على السعادة من تقدير الناس، على الرغم أن هذا التقدير يحدث إن نضح الإناء بما فيه (حنان كمعلمة بسيطة).

الكثير والكثير من الشعور باليأس يحدث حين يظل الإنسان حبيس فعل كلامي يتحدث ليل نهار عن انحدار الأخلاق وهيمنة المادة والمصالح والجنس والفساد دون أن ينشغل بشيء يختبر فيه أفكاره، رغم أهمية ألا يتوقف عن انتقاده لما يراه خاطئاً، لكن شيئاً يجعل المرء يشعر باليأس حين يدور فقط في فلك بلا إنجاز حقيقي (سونيا تترجم القيم عملياً).

الكثير والكثير ممن خدعتهم المظاهر قيّموا أنفسهم ونظروا لها نظرة دونية لمجرد أنهم ليسوا بمقاييس الجمال التي تعارف عليها المجتمع، حتى أنه بات جزءاً من أن تكون ناجحاً أن تكون وسيماً أو تكون هي ذات جسم ممشوق ووجه فاتن.

ملامح حنان وسونيا حين تتأمل فيها تشعرك بالراحة، تفاصيل الوجه الذي يعبر عن الحياة بطبيعتها دون زيف، بغض النظر عن شخصية كل منهما التي لا نعرفها والتي بطبيعة الحال لبشر بالتأكيد له عيوب وغير خارق ومثالي، إلا أنه يشبه ما تحب أن تعود إليه من بساطة وتلقائية، تجعلك تتذكر ما كتبته جوليا روبرتس منذ أشهر حين نشرت صورتها بدون مكياج:

"السعي للكمال هو مرض هذا العصر، نحن نغطي وجوهنا بأطنان من المكياج، نحاول إصلاح الأشياء الظاهرة، في حين أن الروح هي التي تحتاج إلى عملية جراحية، حان الوقت لكي نتخذ موقفاً فاصلاً،عليك أن تكون سعيداً مع نفسك، لا يهم كيف تبدو من الخارج ما في الداخل هو ما يهم".
جوليا روبرتس

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد