"المؤمن مبتلي".. من أكثر الجمل التي تتردد على مسامعنا حين يمرض من نحب أو يصاب بأذى أو حين يحاول أحبّاؤنا التخفيف عنّا إذا ما أصابنا مكروه، في المقابل إذا تعرض من لا نحب لأذى أو حدث له مكروه نعتبر أن الأمر يدخل في باب أن الله يمهل ولا يهمل، وأنه يستحق ما حدث له، وستتوالى عليه النكبات والرزايا لأن الله غاضب عنه وسيعاقبه.
حسنا على ماذا نعتمد لنقوم بهذا التصنيف؟ كيف نفرق بين المؤمن المبتلى والعبد المغضوب عليه؟ هل نملك ميزاناً للإيمان؟ هل نستطيع تصنيف الناس حسب درجة ايمانهم؟ كيف نؤمن أن الايمان محلّه القلب، ولا يطّلع على القلوب إلا الله لكن في نفس الوقت نستطيع التفريق بين العقوبة والابتلاء؟ كيف نضمن أنّ من نحب وصلوا لدرجة عالية من الإيمان جعلتهم يتربعون على عرش الابتلاء ونالوا هذا الشرف؟
خصوصاً أنه عبر التاريخ كان أشد الناس ابتلاء هم الأنبياء والرسل والصالحين، هل فقط لأننا نحبهم هذا يكفي لنمنحهم صفة المؤمنين؟ بأي حق نعتبر الآخرين مفسدين في الأرض ونالوا أو سينالون ما يستحقون بسبب ما اقترفوا من ذنوب في حين أن ما أصابنا أو سيصيبنا نحن وأحباءنا ما هو إلا تطهير من الذنوب وسبب في أن يرفعنا الله درجات ويعوضنا في الآخرة بما هو خير.
الأمر نفسه يتكرر عندما تموت إحدى الشخصيات المشهورة.. أتباعها ومن يتبنون فكرها يمجدونها ويزكونها، في حين أن المعارضين لها يتناسون أنها إنسان مهما اختلفوا معها، ويتناسون أن للموت حرمة، فيصفونها بأقبح الصفات ويسبون ويقذفون وقد يصل الأمر إلى التنبؤ بمقعدها في الأخرة، فالأكيد أن المخالف سيكون مصيره النار وسينزل الله عليه عذابه، وقد يتفننون في سرد أنواع العقوبات التي تلحقه بمجرد أن يستقر في قبره، ويجب أن يكون عبرة للآخرين، وعليهم أن يتبرأوا من أفكاره حتى لا ينالوا ما نال.
ويذهب البعض إلى أكثر من ذلك، تنتشر صور الميت، فيراها أتباعه مشرقة، دليلاً على حسن خاتمته وقبول ما قدم، في حين يراه المخالفون وجهاً أسود قبيحاً دليل على سوء الخاتمة. وتبدأ الفتاوى من الجانبين بين ما يجوز وما لا يجوز في ذكر مساوئ الميت ومحاسنه.
ميت وضع في قبره وانقطع عمله، بين يدي ربه وهو أعلم به وأعلم بما قدم وأخّر، فما الذي يجعل الناس يتحدثون ببساطة باسم الله؟
الأمر تجاوز الأمور الشخصية والشخصيات العامة ليشمل دولاً وأمما بأكملها، ف"الغرب الكافر" رغم أن أغلبية المقيمين بالدول الدينية يسعون جاهدين للهجرة نحوه، ليحققوا أحلامهم، وينالوا حقوقهم التي لا يستطيعون انتزاعها في بلدانهم أو على الأقل لضمان العيش في دولة تحترم إنسانيتهم، وعلى الرغم من إيمانهم بأن الله ينصر الدولة العادلة، وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة، وإن كانت مؤمنة، إلا أنهم مقتنعون بأن كل الكوارث الطبيعية التي تصيب هذه البلدان، دليلٌ على غضب الله وهي عقاب لهم في الدنيا بسبب فجورهم وانحلالهم. في انتظار العقاب الأكبر بعد الموت.
ولكن ماذا عن العالم الإسلامي الذي جل دوله غارقة في الجهل والظلم وعدم احترام الإنسان؟ ماذا عن الدماء التي تسيل يوميًّا؟ ماذا عن الكوارث التي تنهال عليه من كل حدب وصوب؟ هل سنضعه في خانة الابتلاء لشدة الايمان؟ أو في خانة العقاب لكثرة الذنوب وشدة الفجور؟ إذا كان ابتلاء، فيعني أنه مجتمع مؤمن ولكن ألا يتنافى الإيمان مع الكوارث المنتشرة به؟ كيف لمجتمع مؤمن يظلم فيه الناس ويقهرون؟ وإذا كان غضبا فبماذا نختلف عن الغرب (الكافر)؟
أم أنه حين يتعلق الأمر بالعالم الإسلامي فالأمر ليس ابتلاءً ولا غضباً، هي فقط مؤامرة من المؤامرات التي تحاك ضدنا، مؤامرة نستخلصها، نزرعها في عقولنا ونعتني بها، تكبر وتمتد جذورها لتصبح من المسلّمات وننسب لها فشلنا، وتخلفنا.
لا أعلم كيف نقحم أنفسنا في علاقة الآخر بخالقه، ونحدد المؤمن والفاسد وفق معايير نحددها.
الله وحده هو من سيحاسب عباده فلماذا ننشغل بتصنيفهم؟
يقولون بين الله والعبد لا يوجد وسيط ولكن الآن بين الإنسان وخالقه نوجد نحن.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.