"يا جماعة طوّلنا كتير على الشهدا في الثلاجات، ولا شو رأيكو؟ بكفي ولا لسه مشغولين بقضايا ثانية؟"، هكذا كتب الفلسطيني "محمد عليان" على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وهو يراقب كيف انفضّ الناس عنه وعن قضية ابنه الشهيد، بعد أن زينت كلماته أغلب صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في فترات خلت.
منذ فترة طويلة وأنا أراقب وأتابع صفحة هذا الرجل الفلسطيني، الذي هدم بيته وأصر على البقاء بخيمة في العراء، وأحاول "مطابقة" ملاحظاتي مع كل ما صاحب فترة استشهاد ابنه "بهاء عليان" من "شعارات متهالكة" حول الوفاء والإخلاص لاستعادة حقوق من ضحّوا بدمائهم من أجل وطنهم، وبين الوضع الحالي، حيث ولَّى الجميع "متناسين" وعودهم المعسولة وكلامهم البرّاق.
لا يطلب هذا "الأب" وغيره شيئاً "خرافيًّا" وتعجيزيًّا وغير قابل للتطبيق، فقط استعادة جثمان ابنه، وأن يحظى هو ورفاقه بدفء أرض القدس التي لطالما قبّلوا ترابها عشقاً وحبًّا، فهل هذا بكثير؟
قبل أن نلوم الطرف الآخر المستمر ببغيه وجبروته، علينا أن نلوم أنفسنا على تخاذلنا ونفاقنا المريب مع بعضنا بعضاً، وسيرة "محمد عليان" نموذج ماثل شاخص أمامنا ونحن نتلذذ "باستجدائه" لنا بالالتفاف صوب قضية هي بالأساس من صلب اهتمامنا وتمسّنا جميعاً، إلى متى سنظل "أوفياء" للطعن من الخلف؟ والاستمتاع بلعب دور "العاطفيين" و"مرهفي الأحاسيس"؟ بينما الحقيقة عكس ذلك تماماً.
في نفس الحالة قبل أيام، قام الشخص ذاته بالتبرع بحجارة بيته المهدوم لصالح أحد المراكز المحلية في فلسطين، وعادت نفس الأسماء ممن ينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي "للتهليل" للمبادرة، مُشيدين "بأخلاق الرجل وكرمه"، لكن لم يخطر ببال أحد أنْ يتساءل عمّا يجول في قلب ووجدان الرجل المكلوم، بفقدان ابنه ونيله أبسط حقوقه في الاستقرار بالدار الآخرة، لم يكلف أحد نفسه عناء السؤال حتى عن جديد القضية "المهملة"، فكيف لنا أن نقف ونتصدى لظلم المحتل وألاعيبه إذن؟
في حالة واحدة فقط يحق لنا أن "نتباهى بإنجازاتنا"، وبالتالي الاستمرار في خداع أنفسنا والضحك عليها، حين كنا وصرنا نسمي "رصّ" بعض الكلمات عبر "حوائطنا" على الموقع "الأزرق" بأنها شكل من أشكال النضال ضد الظلم والجبروت.
لكن حالتنا اليوم كشفت أن حبل الكذب قصير، وأن كلام "فيسبوك" وأشقائه "يمحوه" الواقع الكئيب المرّ الذي نواجَه به، وهنا لم أجد أبلغ مما خطّه "نزار قباني" يوماً ما حين كتب "ما دخل اليهود من حدودنا، وإنما تسربوا كالنمل من عيوبنا"، متى سنملك القدرة على مواجهة أخطائنا وعيوبنا التي لا تُعدُّ ولا تُحصى؟ ومتى سنكفّ عن رفع "المسؤولية" والتنصل منها مقابل لحظات "استرخاء واهمة"؟
وهذا مثال بسيط فقط على أن ما وصلنا إليه اليوم من تخلف ورجعية وتشرذم، هي نتيجة حتمية ومنطقية جدًّا بالنظر إلى سجلنا المتشح بالسواد والغدر والنفاق، فإلى متى سنظل مخلصين لهذا العار؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.