عزيزي “الإسلاموفوبي”!

نحن الذين نجول ونصول بمقاتلاتنا، وطائراتنا بدون طيّار، في أجوائكم، بدون إذن ولا حسيب ولا رقيب، بذريعة الحرب على الإرهاب. نحن من نتصيّد ما لذّ لنا وطاب من أهداف، غير آبهين لا بسيادة، ولا بحدود، ولا بقانون دولي، ولا بما نوقعه بكم من "أضرار جانبية"، أي ما يُعرف عند الرومنطيقيّين من أصحاب الحسّ المرهف: بالمدنيّين.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/15 الساعة 04:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/15 الساعة 04:11 بتوقيت غرينتش

عزيزي "الإسلاموفوبي"، رجلاً كنتَ أو امرأة..

إليك أكتب هذه السطور، وإليك أعتذر.

نعم.. أبدي لك شديد أسفي على كلّ ما تعانيه بسبب المسلمين.

أطلب منك الصفح والمغفرة على موجات الكراهية التي تعتصر قلبك كلّما رأيتَ مسجداً، وهبّات الغلّ والغلو التي تعصف في أعماق وجدانك العظيم كلّما مررتَ بقرب مطعم يقدّم وجبات "حلال"، ونوبات الهستيريا التي تنتاب جسدك كلّما لمحتَ امرأة محجّبة، أو لحية غير لحية الـ"هيبستر"، أو كلّما سمعتَ اللغة العربية وهي تلوّث نقاوة فضائك القومي.

عزيزي "الإسلاموفوبي"،

نتوجّه إليك من أعماق التخلّف والرجعيّة، راجين أن تمنّ علينا، من علياء بروجك الفكريّة.. بروج التقدّمية والحداثة والتطوّر، بقليل من المعذرة على ما نحن عليه بنظرك.

فبنظرك، نحن المسلمين كلّنا متشابهون، رغم اختلاف أعراقنا، وأجناسنا، وألواننا، ولغاتنا، وجنسياتنا، ومذاهبنا، وتياراتنا. بنظرك، كلّنا خطرون.

بنظرك، نحن مجرّد مليار ونصف المليار من الإرهابيين المحتملين الذين يحتكرون، منذ الأزل، ثقافة الكراهية والقتل والتدمير.

بنظرك، نحن شياطين هذا العصر، وأمثالك هم من ملائكته.

تعتقد بأنّنا جئنا لغزو بلادك، وأنّ اللاجئين أيضاً غزاة، إذ كان عليهم، بدل أن يهربوا من حرب ضروس، أن يكونوا حطبا لنارها.

بنظرك، إنّ العيش المشترك مستحيل معنا، وإنّنا غير قابلين للاندماج في المجتمعات غير المسلمة، وإنّ اعتبار التعدّدية الثقافية مصدر غنى ليس إلّا مجرّد جعدنة نخبويّة يساريّة ممّن يعتقدون بأنّ الإسلام لا يحمل بذور الإرهاب، وأنّه -أرجوك تماسك جيّدا- دين تسامح واعتدال وسلام!

لذلك سأكلّمك بلغتك المانويّة التسطيحيّة العبثيّة، إن جاز أصلاً تسميتها بلغة، والتي لا ترى العالم إلّا بالأبيض والأسود، رغم تعدّد ألوانه وتناسقها، والتي لا تعرف من الضمائر كلّها إلّا "نحن وأنتم".

فاعذرنا على كلّ ما نرتكبه، نحن المسلمين، ولا يرتكبه أحد سوانا إطلاقاً في هذا العالم.

عزيزي "الإسلاموفوبي"، اعذرنا..

فنحن من قصف ودمّر واحتلّ بلدانكم، وأسقط أنظمتها، بداعي أسلحة دمار شامل اتّضح أنّه لا وجود لها إلّا في مخيّلة أمراء الحروب..

نحن من غيّر بذلك التوازنات الإقليميّة بين بلدانكم، وفتح أبواب جهنّم على مصراعيها، حتّى عمّت النار أرجاء المعمورة بأسرها.

نحن الذين نجول ونصول بمقاتلاتنا، وطائراتنا بدون طيّار، في أجوائكم، بدون إذن ولا حسيب ولا رقيب، بذريعة الحرب على الإرهاب. نحن من نتصيّد ما لذّ لنا وطاب من أهداف، غير آبهين لا بسيادة، ولا بحدود، ولا بقانون دولي، ولا بما نوقعه بكم من "أضرار جانبية"، أي ما يُعرف عند الرومنطيقيّين من أصحاب الحسّ المرهف: بالمدنيّين.

نحن من يفاخر بحقوق الإنسان، فيجوّع شعوبكم، على مدى أكثر من عقد كامل، بحصار امتصّ كثيراً من النفط، لقاء كثير من الفساد، وقليل من الغذاء والدواء.

نحن من يتغنّى بالحريّة، فيدعم في بلدانكم، علناً أو من تحت الطاولة، وبذريعة الاستقرار، أعتى الأنظمة الدكتاتورية، وأكثرها دمويّة، والتي تتفنّن في أساليب قمع شعوبكم وتعذيبها.

نحن من يبشّر بالديمقراطية، فيتهكّم على ربيعكم، ويساند الانقلاب على أوّل رئيس منتخب ديمقراطيًّا منذ قرون.

نحن من كان تدخّل في الشؤون الداخلية لبلدانكم، وفرض الامتيازات، بحجّة حماية الأقليّات.

نحن من احتلّ بلدانكم، واستعمرها لعقود خلت. نحن من ادّعى تحريرها من الظلاميّة، فحكمها بعنصريّة. نحن من ادّعى نشر العلمانيّة فيها، فقسّمها، باتّفاقيّات سرية، على أساس طائفي. نحن الذين عدنا، بعد مئة عام، لنقسّم المُقسَّم ولكن، هذه المرّة، تحت مسمّى الفدرالية.

نحن من زرع في قلب بلدانكم كياناً مغتصباً، عنصريًّا، توسّعيًّا، عدائيًّا، يحترف إرهاب الدولة المنظّم، ولا يعرف إلّا أن يقضم، ويقضم، فيقضم، ثمّ يقضم، بعد أن يقضم.

نحن من نظّر لصراع الحضارات، ونحن من يحتكر تطبيقه.

نحن من استعمل القنبلة الذريّة، ومحا مدناً من الخارطة.

نحن من قام بأعنف حربين عالميّتين في التاريخ.

نحن من أفنى السكّان الأصليّين لقارّة بأسرها، واستملكها حتّى اسميًّا، إذ أطلقنا عليها اسم فاتحها.

نحن ونحن ونحن..

نعم.. ألسنا نحن من قام بذلك كلّه.. وبالكثير ممّا شاكله؟

نعم.. عزيزي "الإسلاموفوبي"، أنت فقط الضحيّة.. والمسلمون الحفاة- الغزاة.. هم وحدهم الجلّادون.

فتقوقع، واهلع، واكره، وتعصّب، وتحسّر على نفسك، واذرف دموع اللوعة والأسى. كن النسخة المقابلة لداعش، ولفكر داعش، ولتظلّم داعش، ولمانويّة داعش، ولمنهج داعش في تسطيح الأمور وتعميمها تعميماً تعسّفيًّا. هنيئاً لك كلّ هذه الكراهية.

إيّاك أن تنظر إلى الواقع بعينيك الاثنين! إيّاك أن تستعمل عقلك! فلربّما أصابك ذلك بالعياء الشديد. إيّاك والموضوعيّة! فإنّها تخرجك من حلقة الأمان التي يوفّرها لك جهلك، وتبعدك عن دفء غبائك.

لا تنس أن تقرأ كلّ الكتب والمقالات والمنشورات التي تعجّ بكراهية الإسلام والمسلمين، أو أن تمتصّ السموم التي تبثّها يوميًّا وسائل الإعلام. لا تنس، بعد ذلك، أن تختبئ وراء شاشة لتفجّر حقدك على وسائل التواصل الاجتماعي. لا تنس أن تعبّر عن احتقارك لكلّ أكاديمي يتجرّأ على انتقاد هذا "الانغلاق الكبير".

وخصوصاً، أرجوك ألّا تنسى أن تصفّق، كالمعتاد، لكلّ "مثقّف" محسوب على المسلمين، أو متحدّر من بلدانهم، طُبعَ بعقلية كولونياليّة، واحترف التزلّف أمام أسياده من أجل الشهرة والمنفعة الشخصية. أرجوك ألّا تبخل عليه بالثناء والإطراء والمديح، لا سيّما أنّه فضّل الغرق في الشعبويّة، واستسهل التقيّؤ الفكري، وجلد الذات، وذمّ الإسلام والمسلمين، وذلك هرباً من صعوبة النقد الموضوعي والعلمي الذي لا يقدر عليه.

كما لا تنس أن تلوّح بيافطات داعمة لدونالد ترامب، أو أن تعلّق صورة لفلاديمير بوتين، أو أن تصوِّت لصالح الخروج من أوروبا، أو لصالح مارين لوبين.

من يدري، فلربّما كنتَ أنت "أنديرز بريفيك" المستقبل. لربّما كنت أنت الخطر الأساسي على من تدّعي حمايتهم من تخرّصات "الزحف الإسلامي"، ومن أوهام "الاستبدال الكبير".

لا ترتجف خوفاً، سأوفّر عليك، وعلى نفسي، قبلاتي وتحيّاتي.

ملاحظة: "النقطة التي أريد أن أختم بها هي أن أشدّد على أنّ الصراعات الاختزالية الرهيبة التي تقود الناس كالقطعان تحت عناوين توحيدية واهية كـ"أميركا"، "الغرب"، أو "الإسلام"، والتي تخترع هويّات جماعية لأعداد كبيرة من الأفراد الذين هم في الواقع كثيرو التنوّع، لا يمكنها أن تبقى بالقوّة نفسها التي هي عليها، ويجب أن تُواجَه، وأن تُخفَّض بشكل كبير فعاليتها القاتلة من حيث التأثير والقوّة التحشيديّة".
(إدوارد وديع سعيد، الاستشراق)

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد