إنني أعرف أن كلّ رجال الأرض لا يشبهونك يا أبي، ولكنّني حين أرى رجلاً من بعيد يقارب عمرك، تتراءى لي صورتك، وأفرك عينيّ كي أتيقّن أنك لست هنا، وأنني لم أعد هناك!
لا أعرف حقًّا ماذا يمكنني أن أفعل كي أحظى بلمستك مرة أخرى، كي تطبع قبلة على جبيني، كي أدخل معك غرفتك، وأشاركك اختيار ملابسك لأن لديك دعوة على العشاء.
إنني أشتاق إليك حقًّا يا أبي، وأكتب لك لأنني أريد أن تقرأ لي، أن تفتخر بي، وترضى عني.
لأنني أريد أن أجيبك بـ"نعم" حين تسألني: "وكيف زوجك وبناتك؟ صلاتك وقرآنك؟ دراستك وعلمك؟". "نعم.. كلها كما ترضى".
إنني أراك يا أبي، أراك في خوفي على بناتي، في قلقي على مستقبلهنّ، في جهادي لتعليمهنّ، في زرع الحب بينهنّ، في حرصي على اجتماعنا حول المائدة.. المائدة التي كنت سيّدها ولا تزال.
أعلم أن المرض أخذ من قوة جسدك، ولكنّه لم ولن ينالَ من رجاحة عقلك، وقوّة إيمانك، وأعلم أن شوقي إليك غالبني فغلبني، وأنني أحتاج معجزة كي ألقاك، إنه الشّوق يا أبي، الشوق الذي يأكل من القلوب حتى يشبع!
أسمع الفرحة في صوتك، وأنا أخبرك بأنه قد تم قبولي في الجامعة، أسمع دقة قلبك، وصوت سعادتك بالرغم من ألمك!
أحقاً يا أبي "أثلجتُ صدرك"؟
لديّ الكثير من الكلام أخبرك به، لكنّ كلماتي تغرق في بحر دموعي، وأغمض عينيّ بشدة لأراك تجلس على الأريكة، تبكي ليلة سفري، وأنا أقول لك: "لقد اعتقدت أن الوقت كان طويلاً يا أبي، ولكنه اتضح أنه كان قصيراً..".
كان لمحة يا أبي، كان ومضة، كان مقدار قبلة، مقدار لمسة وابتسامة!
إنني أعرف أنك تقرأ رسالتي وتبكي، أنا أيضاً أفعل ذلك، لأنني أشتاق إليك بحرقة، وأرجو حقًّا أن ألقاك.
إنني لا أكتفي بأن أبوح لك بحبي واشتياقي، بل أريد أن أجهر به جهاراً وأنادي به علانية، إنه الحب الأول يا أبتِ.
الحب الأقوى والأبقى، الحب الذي لا تخشى معه الفتاة من عاديات الزمن وتقلبات الأيام..
إنني لا أكتب لك بلساني وحدي، بل أكتب رسالة من كل فتاة إلى أبيها، أكتب عن أولئك اللواتي تمزقت قلوبهنّ بين الوطن والمنفى، وانتقلن من السجن الصغير إلى السجن الكبير، هناك حيث تمزقت المشاعر عبر ذلك الطريق الطويل، وأصبح اجتماع العائلة درباً من المستحيل!
أما أنا، فإلى أن ألقاك يا أبي، أنظر إليّ بعين قلبك وحفّني برضاك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.