تحديات هذا الزمان

لقد اختلفت حياتنا كثيراً عما كانت عليها قبل سنوات قليلة مرت، فلم نعد نتذكر السنوات التي خلت لنحتفظ بالقليل منها مما سبق، لقد تغير وجه الحياة وتعددت أوجه الاختلاف التي ضربت العمق، وأخلت بالجوهر فلم تعد التربية هي هاجس أسرنا الكبير، إذ لم يعد هناك مكان للخجل، فالكل وإن أخطأ فيجب أن تجد له عذراً.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/14 الساعة 05:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/14 الساعة 05:51 بتوقيت غرينتش

تصحيح/مدحت

بقلم / أ.د نادية بن ورقلة
تحديات هذا الزمان

هناك جهل كبير في فهم الحقيقة العبثية في عالم يتغنى بكل ما هو مختلف وصعب، بعد أن تحول الاختلاف والتعايش إلى تطرف واقتتال، وبالرغم من كل هذه الاكتشافات والاختراعات التي تجمّل لنا صور المستقبل وتجعلنا نرى الحياة بشكل سهل، بعد أن تحول كل مستحيل إلى ممكن، إلا أننا لا نشعر بشيء.

لقد غزتنا حُمّى الاستهلاك فكل ما تراه أمامك يستجديك لتقتنيه، وإن كنت لست بحاجة له، لقد كثرت المغريات في زمن الغلاء الفاحش وما يقابله من دخل محدود.

لقد أصبح كل ما يحيط بك يدفع بك إلى التجديد والتغيير لتجد نفسك مجبراً على حمل يافطة التغيير دون أن تشعر برغبة ملحة في ذلك، فالحياة اليوم تغلب عليها المشاكل، فما من يوم يمر عليك إلا ووجدت أصواتاً بداخلك تتداعى وصوت خافت يحاول الصراخ.

كل لحظة يشي بنا الخوف من غد مجهول. في زمن الاختراعات والاكتشافات العلمية المذهلة التي لا تتوقف، حيث أصبحت تحدونا رغبة وحيدة، وهي أن نقمع هذا الكره الذي يتربص بداخلنا، وهذا الأنا الذي أصيب بلوثة التضخم، عدنا نسير ولا أمل كبير لنا إلا في أن تهدأ هذه النعرات المستعرة وأن يخف وهج الحروب التي مزقتنا من الداخل، ولا أمل لنا إلا في أن تهدأ عواصف التواطؤ، وأن يخفت سعير هذا الكره المؤذي.

لقد استوطن فينا هذا الخواء المهيب، الذي أصبح هاجسنا الكبير في عالم يصدح بشعارات نكتبها بخط اليد، شعارات تنادي بالكثير.

لقد اختلفت حياتنا كثيراً عما كانت عليها قبل سنوات قليلة مرت، فلم نعد نتذكر السنوات التي خلت لنحتفظ بالقليل منها مما سبق، لقد تغير وجه الحياة وتعددت أوجه الاختلاف التي ضربت العمق، وأخلت بالجوهر فلم تعد التربية هي هاجس أسرنا الكبير، إذ لم يعد هناك مكان للخجل، فالكل وإن أخطأ فيجب أن تجد له عذراً.

فالكل يرمي بأخطائه على صعوبة الحياة، والكل صار يتحجج بمشاكل لا تنتهي حتى يجد عذراً لإخفاقه أو تقصيره وإن كان متعمداً فلا يحق لك أن تحكم عليه، المشكلة أن لا أحد صار يعترف بالخطأ أو التقصير، لا أحد يواجهك بالحقيقة، والجميع يسير على هذه الحال تستوقفني تصرفات طلابي اليوم كثيراً، فعندما أتغاضى عن بعض السلوكات، فيتمادى هؤلاء في عنادهم وتعنتهم الساذج، فهم غير مدركين أن المشكلة تكمن فيهم ولكنهم يواصلون في اقتراف نفس الأخطاء، وإن جئت على ذكر هذه العيوب بهدف تصحيحها وتنبيههم لها، بدأوا في اختلاق الذرائع، فالخطأ بالنهاية ليس خطأهم، فالمحيط العام هو السبب وظروف الحياة هي السبب والأسرة والمدرسة هما السبب، بعد أن ضرب الاختلاف كل معاقل التفكير الصحيح.

فالعاقل منا أضحى يشكك في صوابية مواقفه، والغافل منا أصبح يعيش بمنأى عن المشاكل التي تبدأ ما إن أقدمت على طرح سؤالٍ واستيعاب فكرةٍ، فإن أردت أن تلامس أطراف المشكلة في محاولة منك إيجاد الحلول فكل المعطيات ستحول بينك وبين الحل .

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد