لم تكن تتخيل قبل 5 سنوات أن الأقدار ستأخذها إلى "السويد" وحيدة، وأنها ستضطر للتنقل بين عدة دول لتصل في النهاية إلى أقصى العالم تاركةً وراءها أولادها وزوجها في دمشق ينتظرون حصولها على الإقامة وإنهاء إجراءات لم الشمل.
ليلى الحريري -ابنة الخامسة والثلاثين- لم تغادر سورية قبل الأزمة أبداً، ولم تكن معتادة على التنقل وحدها إلا عند الضرورة، لكنها فجأة وجدت نفسها أمام مواجهة صعبة وعليها أن تقوم بها بحجة البحث عن مستقبلٍ أفضل لأولادها.
تقول في حديثها لـ"عربي بوست" إن "هذه الخطوة ليست سهلة أبداً، فبعيداً عن العذاب الذي مررت به والأشخاص السيئين الذين التقيتهم، لم أتمكن من الاعتياد على فكرة الابتعاد عن أولادي".
وتتابع بحزن بأنهم أمضوا حوالي السنة لوحدهم مع والدهم وهي تخاف أن يعتادوا على غيابها وأن يرفضوا السفر في النهاية، وتؤكد بأن أقصى أحلامها اليوم أن يلتم شملها مع عائلتها.
ليلى تؤمن بأن مستقبل عائلتها سيكون أفضل حينما تجتمع معها في السويد، وتؤكد لنا بغصة، أن الحياة الاجتماعية تغيرت كثيراً في سوريا بعد الحرب، فالعائلات التي كانت ترفض سفر بناتها وحتى تنقلها باتت اليوم تشجعها على خوض هذه التجربة الصعبة باعتبار أن تعامل دول الغرب مع ملف السيدات اللاجئات أسرع من تعاملها مع ملف اللاجئين الرجال، وتضيف بأن الذي كان في الماضي مرفوضاً أصبح ممكناً ومسموحاً به.
تغيّر شكل الأسر
اليوم في سوريا لم تعد العلاقات الاجتماعية كما كانت في الماضي وقلّما تجد أسرة من دون عنصر مهاجر مع اختلاف الأعمار والجنس، والغريب أن الكثير من العائلات باتت متقبلة لفكرة سفر الأطفال بالإضافة للنساء وكثيرات هن السيدات اللواتي شجّعن أطفالهن على الهجرة والسفر بمفردهم.
وتقول حياة حرب وهي من ريف دمشق: "لن أنسى أبداً تلك اللحظة التي ودّعت فيها ابني من حوالي العام وهو بعمر الحادية عشرة وأرسلته مع أحد أقاربنا ليسافرا معاً إلى ألمانيا"، وتضيف: "أيام سفره كانت عصيبة جداً خاصة مع انتشار أخبار الموت والعصابات وخشيت ألّا يصل أبداً وأن أخسره".
وعن سبب إقدامها وزوجها على هذه المخاطرة تجيب "علمنا أن للأطفال وضعاً خاصاً في ألمانيا، وسبقت تجربة ابني تجربة لأحد أقاربنا سافر بمفرده وتمكّن في فترة قصيرة من لمّ شمل أسرته".
وتؤكد حياة بدورها، أنها لم تتخيل في يوم من الأيام أن تقدم على هذه الخطوة لكن حياتهم تغيرت بالمطلق، وهم باتوا نازحين يتنقلون من بيت لآخر ويشعرون أن مستقبلهم وحياتهم انتهت في سورية وعليهم البحث عن حياة أخرى.
بانتظار انتهاء الرحلة
وفي أفضل الحالات تلجأ بعض الأسر لإبقاء النساء والأطفال في سوريا ليسافر الزوج ويجرب حظه في بلاد أوروبا، بعضهم لضرورة فرضتها الحرب وبعضهم الآخر لاستغلال الفرصة الحالية، باعتبار أن غالبية الدول الأوروبية متعاطفة مع الملف السوري، وفرصة السوريين في الحصول على إقامة أوروبية أفضل مما كانت عليه في الماضي.
ولم يعد من المستغرب في الوقت الحالي إيجاد أسر سورية من دون ذكور، وتعتمد بالمطلق على النساء في الإعالة وفي تسيير الأمور، وتتحدث فاتنة خليفة (ربة منزل) بأنها بعد سفر زوجها باتت مسؤولة عن كل شيء فهي الزوج والأم، وما زاد من صعوبة الأمر أن عائلتها باتت تقريباً من دون رجال فأخوتها الذكور هاجروا من حوالي السنة، وكذلك الحال بالنسبة لوالدها وأقارب زوجها، وهي اليوم تقيم مع والدتها في دمشق مع الأولاد وجميعهم ينتظرون إجراءات لمّ الشمل ليسافر كلٌّ منهم إلى وجهة.
وتوضّح خليفة بأن وضعهم المادي سيء وهي تعيش مع أولادها على الكفاف فزوجها باع كل ما يملك قبل الرحلة وترك لها مبلغاً بسيطاً، عليها تقسيمه بحذر ليكفيها خلال شهور الانتظار.
تأقلم مع الوضع
لكن الغريب في بعض الحالات التي التقيناها أن الأطفال ورغم الحرب مازالوا متمسكين بالحياة في سوريا، واعتادوا على حياتهم الحالية ويخبرنا عبد الرحمن (11 سنة) بأنه رغم تنقله لعدة مرات خلال الأزمة الحالية ورغم خسارتهم لمنزلهم وأغراضهم لكنه تمكن من التأقلم اليوم مع الحياة الحالية، وهو متردّد في السفر إلى ألمانيا حيث تقيم والدته.
ويوضح عبد الرحمن بأنه اعتاد على غياب والدته فقد مضى عليها أكثر من سنة وهو يتحدّث معها عبر السكايب ويراها، وفي حال اضطر للسفر فستكون غايته الحصول على الإقامة فقط والعودة إلى دمشق ثانية.
تعدد الزوجات
وبعيداً عن قصص الهجرة والسفر، فالحرب أعادت للمجتمع السوري ظاهرة تعدد الزوجات، وباتت بعض العائلات تتقبل هذه الفكرة بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والظروف الصعبة التي تعيشها بعض الفتيات.
ويذكر القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود معراوي بحديث صحفي أن نسبة عقود تثبيت الزواج في المحكمة لأزواج يتزوجون مرة ثانية أو ثالثة بلغت أكثر من 40% في الظروف الراهنة في وقت كانت لا تتجاوز الـ 10% قبل الأزمة وبمعدل 4 حالات في اليوم.