حجي جابر في “سمراويت”.. وازمة البحث عن هوية

استمتعت بأسلوب سرد الأحداث بسلاسة دون تعقيد في الحبكة، لغة جميلة أضفت شاعرية جميلة على الرواية والمقارنات الثنائية والأحداث بخطين متوازيين بين جدة وأسمرا عزفت بشكل بارع وجميل، وهي إشارة إلى وعي الكاتب بالفن والسرد، رغم وجود بعض الفصول المجانية التي لم تقدم شيئاً للنص.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/13 الساعة 04:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/13 الساعة 04:36 بتوقيت غرينتش

"فقدت الرغبة يا عمر، ومن يفقد الرغبة في شيء قد لا تسعفه كل أدوات الدنيا.. هذا كل شيء ببساطة"
" حجي جابر-رواية سمراويت"

وجود الرغبة الداخلية المحرّك الأساس لتحقيق أي شيء، رواية سمراويت للكاتب الإريتري حجي جابر تحكي قصة عمر، الذي ترحل عائلته إلى السعودية؛ هرباً من الحرب في إريتريا، وهو ما زال جنينا في بطن أمه ليولد في جدة.. ويعيش صراع الغريب في وطنه والغريب عن وطنه.. فيقرر العودة مرة أخرى إلى أسمرا وهو في الثلاثين من عمره للبحث عن وطنه الأم.. فيلتقي هناك "سمراويت" التي جاءت إلى أسمرا لنفس الهدف..
وكذلك ذهب الكاتب إلى أسمرا أيضا ليبحث عن هويته التي فقدها في جده..
الرواية ليست موضوعاً فقط.. فالموضوع مهما كان نبيلاً لا يخلق فنًّا وليست مجرد سرد لوقائع وحكي عن شخصيات ولغة جميلة..
هنالك سر ما أو سحر إذا فقدته الرواية فقدت صفتها. إنه سر أو (سحر) الفن الذي يصعب الحديث عنه أو وصفه بلغة النقد.. والقراءة وحدها القادرة على تذوق هذا السحر والكشف عنه، ولمن يتذوقون هذا السحر أن ينتبهوا إلى "سمراويت" حتى لا تفوتهم متعة القراءة ويتأملوا سر فن الرواية ليحكموا بأنفسهم.
وكأن القلم كحل والورقة عين.. فارسم ثقافتك عليها بمهارة ودقة.. وادفع بعصارة فكرك مع حبرك الأسود إلى أوراقك البيضاء، لتكحل عين القارئ بروعة كلماتك.
" في السعودية لم أعش سعوديًّا خالصاً، ولا إريتريًّا خالصاً، كنت شيئاً بينهما".
يتحدث الكاتب عن قلق الهوية.. هذا القلق الذي لا يعرفه إلا كل من عاشه ويعيشه كل من كان له وطن بديل، شعور خفي وقلق يعبث بالنفس البشرية، حين يعيش الناس في أوطان ليست لهم..
نصف حنين، ونصف غربة، ونصف وطنية، ونصف انتماء، ونصف وحشة، ليعيش غربة طارئة ويصطدم بغربة أخرى حين يذهب لبلده.
هكذا ببساطة يلخص حجي جابر أزمة الهوية، الانتماء، من أنت؟ موجع أن تظن نفسك ولدت وكبرت في أرض تحتويك، ثم تكتشف -بطريقة ما- أنها تلفظك بعيدا.. بعيدا عن تاريخك عليها، عن تاريخ ذويك الذين استوطنوها لظرف ما، لتكتشف أنها كانت تنتظرك لأن تعود من حيث أتيت، أو أن ترحل إلى أي مكان آخر، المهم أن ترحل عنها غير مأسوف عليك. للأسف صعوبة التنقل والعيش أمام العربي في العالم العربي أكبر أحياناً مما لو كان في غيره، وتشعرك نُظُمُه بغربة بسبب العوائق القانونية التي تحاصر العربي في بلد عربي آخر.. الهوية القلقة، هوية يعرفها ويعيشها كل من كان له وطن بديل، شعور خفي وقلق يعبث في نفوس البشر حين يعيشون في أوطان ليست لهم، فهو يعيش غربة طارئة ليصطدم بغربة أخرى عندما يذهب لبلده.. ورغم أنني أحببت الحديث عن أسمرا، وتاريخها ونضالها وحميمية أجوائها، والحديث عن حياة وعادات وملامح الشعب الإرتيرى، والكثير من الشخصيات الأدبية والفنية والسياسية والتاريخية التي لعبت أدوارا مهمة في مرحلة حرب التحرير، فهو يعرفنا على الجَبَنة أي الأسلوب المحلى لإعداد القهوة في إرتيريا، فيجعلنا نتشوق لتذوق القهوة التي تعدها جدته المحافظة على تقاليد وعادات كثيرة، وعلى طبق الزقنى الطبق الإرتيري الشهير .
استمتعت بأسلوب سرد الأحداث بسلاسة دون تعقيد في الحبكة، لغة جميلة أضفت شاعرية جميلة على الرواية والمقارنات الثنائية والأحداث بخطين متوازيين بين جدة وأسمرا عزفت بشكل بارع وجميل، وهي إشارة إلى وعي الكاتب بالفن والسرد، رغم وجود بعض الفصول المجانية التي لم تقدم شيئاً للنص.
ولعل أكبر مفاجأة في الرواية هو إشارة الروائي للأصول الحبشية للشاعر الروسي الكبير بوشكين، إذ لم يكن ليخيل لي يوماً بأن الشاعر الروسي "بوشكين" من أصل إريتيري.. وأن النصب التذكاري الشامخ في قلب "أسمرا" المدينة الأرتريه المعتّقة بأنفاس القهوة الإيطالية.. وأصوات المآذن العثمانية لبوشكين هدية من الروس أنفسهم كاعتراف بالجميل. فالمعلومة وإن كانت غريبة فهي مدهشة..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد