(1)
وُلد وترعرع إبراهيم الخليل في بابل ببلاد العراق، في مدينة يعيش بها رجال من أمهر صناع الآلهة (الأصنام)، لم يتطبع الفتى بطباع أهل مدينته، ولم يمتهن حرفتهم، ولم يعبد ما ألفه الآباء والأجداد من عبادة الأصنام. فبدأ يفكر ويناجي ربه، حتى هداه ربه إلى نور التوحيد فصار حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين.
(2 )
بعد قرون عديدة يولد الهاشمي الصالح حفيد إسماعيل ولد إبراهيم، في مجتمع مشرك تحيط فيه الأصنام كل ركن من أركان البيت العتيق، الذي بناه جدّاه إبراهيم وإسماعيل. لم يسجد لصنم قط. كان يسير على منهاج وملة أبيه إبراهيم حتى أُوحي إليه وهو في الأربعين من عمره.
(3 )
بعد أن أنار الله قلب الفتى إبراهيم وأذاقه لذة التوحيد، ما كان له أن يستأنس بطمأنينة قلبه منفردا، أراد الخير لأبيه وقومه، خاف عليهم عذاب الله، فمضى يدعو أبيه وقومه إلى عبادة الله الواحد، فما كان جواب أبيه إلا أن قال له "لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليًّا"، وعلى شاكلة أبيه كان جواب قومه.
(4 )
بعد أن أُوحي إلى خاتم الأنبياء عرض أمر الرسالة على زوجته، فاتبعته دون تردد أو تفكير، وكذلك فعل الصدّيق أبو بكر. ثم بدأ يعرض أمر رسالته على قومه، فلقي منهم أسوأ معاملة من تكذيب وإيذاء. قالوا من هو ليسفه آلهتنا ويفرق بين الأب وابنه.
(5 )
رجع القوم بعد أن احتفلوا بعيدهم خارج أسوار المدينة، ليجدوا آلهتهم مهشمة الرؤوس، أصبحت جذاذا، إلا كبيرهم.. دب القلق وسيطر الخوف على الجميع اعتقادا منهم بأن الآلهة ستنتفض وتثأر لنفسها. غضب القوم وتساءلوا فيما بينهم.. من قام بتلك الفعل المقيت؟ تذكروا أن بالأمس كان هنا فتى يسفّه الآلهة. فتى يحقر من عبادتهم لها. لا ريب في أنه إبراهيم..
جاءوا به.. دحض جهلهم وكفرهم بكبيرهم الذي لم ينطق بعد أن قال لهم "اسألوا كبيرهم هذا". لم ينطق كبيرهم. فما كان منهم إلا أن قالوا حرقوه، فجمعوا له حطبا فأضرموه نارا. وضع إبراهيم في المنجنيق وألقي به في النار. لكن من كان دعاؤه "حسبنا الله ونعم الوكيل"، كان جواب ربه "قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم".
(6 )
العذاب الشديد كان هو عنوان المرحلة لأتباع محمد. حتى هو لم يسلم من إيذاء القوم. مجلس الحرب منعقد دائما في قريش لوأد الفتنة بين القوم ولتخلص مما جاء به رسول الله. اجتمع رأي المجلس على أن يأخذوا من كل قبيلة حليفة لقريش أشجع وأقوى فتى، ليدخلوا جميعا على المصطفى في فراشه ويقتلوه بضربه سيف في آن واحد، وبذلك يهدر دمه بين القبائل فلا يستطع بنو هاشم الثأر من قبيلة بعينها. لكن من كان دعاؤه "إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي" كان جواب ربه "فأغشيناهم فهم لا يبصرون".
(7 )
أصاب إبراهيم من قومه ما أصابه، فكان أمر ربه أن أترك هذه الأرض وهاجر. هاجر مع إبراهيم، السيدة سارة زوجته وابن أخيه لوط، نزلوا جميعا أرض فلسطين ثم مصر ثم إلى فلسطين. ثم نزل إبراهيم بهاجر التي أهدته إياها السيدة سارة ليتزوجها وإسماعيل ابنه، مكة عند البيت العتيق، حيث لم يكن قد بني بعد. كانت وجهة إبراهيم ما بين فلسطين حيث زوجته سارة وبين مكة حيث إسماعيل وهاجر.
(8 )
القوم في مكة يستعدون للاحتفال، ولمَ لا؟ وعما قريب سيأتيهم نبأ محمد. فرسان قريش وحلفاؤها واقفون أمام بيت الرسول نياماً. محمد يطوي هو وصاحبه الأرض تحت أقدامهما في اتجاه المدينة. ينزل الصادق الأمين مع صاحبه المدينة. تعلو أصوات القوم بـ"طلع البدر علينا من ثنية الوداع".
( 9 )
في مكة يدعو إبراهيم وإسماعيل الله بأن يتقبل منهم وهم يرفعون القواعد من البيت ليكون أول مسجد وضع للناس "للذي ببكة مباركا ". في المدينة يأمر الرسول أصحابه بأن يقيموا أول مسجد في الإسلام. ليؤكد أنه ماضٍ على درب أبيه إبراهيم ويؤكد أيضا أنه جاء للبناء ولتأسيس أمة قوية،قواعدها تقام وتشتد في المسجد.
(10)
بعد سنوات قليلة يعود المهاجر الثاني (في الترتيب الزمني)، كي يفتح مدينة أبيه إبراهيم المهاجر الأول، ويحطم الأصنام من حول الكعبة. وبهذا الفتح يكون قد وفّى الولد الصالح والنبي الصالح، كما دعاه أبيه إبراهيم عندما استقبله عند البيت المعمور في رحله الإسراء والمعراج. قد وفى الحبيب لربه ولرسالة أبيه إبراهيم الذي وفى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.