قرر رضا وإخوته التسعة دخول المعركة في سوريا، حيث اتخذوا من منزلهم الواقع في الضاحية الجنوبية من مدينة حلب قاعدةً لهم، فيما يتحركون كل يوم إلى الخطوط الأمامية خارج حدود المدينة لقتال قوات بشار الأسد.
كان الموضوع بسيطاً في البداية، حيث كان الإخوة العشرة المقاتلون يعرفون أصدقاءهم وأعداءهم بوضوح – كما يقولون – بينما الآن، لا يبدو أحدٌ منهم متأكداً بشأن أي شيء باستثناء السبب الذي قرروا التضحية بحياتهم والموت ببطء من أجله، بحسب تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية.
يقول رضا، أصغر الأشقاء وهو لاجئ حالياً في ألمانيا: "لا يوجد أي حل، ولا أحد يريد المساعدة، عندما بدأ القصف الروسي أصبح الأمر أكثر صعوبة بكثير".
في بداية عام 2013، كانت صحيفة "الغارديان" البريطانية قد نشرت تقريراً عن هؤلاء الإخوة، وصفتهم فيه بأنهم من أشهر المقاتلين في صفوف المعارضة المسلحة غرب حلب. وكغيرهم من مقاتلي المعارضة في ثاني أكبر المدن السورية، ينتمي الأشقاء إلى الريف بالأساس، قبل أن ينتقلوا إلى المدينة للمشاركة في الحرب.
"بحثاً عن السلاح والدعم"
مثلت حلب بالنسبة لهؤلاء مدينة بعيدة، حيث كانت سابقاً مركزاً للمال والسلطة وكانت بعيدة عن متناول فقراء الريف تماماً، إلا أن الصراع الحالي أتاح الفرصة لتغيير هذا الواقع، حيث ترك الإخوة حياتهم في مدينة سرمدا الريفية بالقرب من إدلب بحثاً عن السلاح والدعم.
بعد وصولهم إلى حلب التحق الأشقاء سريعاً بمجموعات المعارضة التي انتشرت في المناطق الحضرية بالمدينة، والتي بدت غير مألوفة بالنسبة لهم، في الوقت الذي أدى فيه الصراع إلى ترك الكثير من المناطق بلا سكان، حيث تركوا كل شيء وراءهم هرباً من الحرب.
في فبراير/شباط من العام الماضي استطاع 9 من الأشقاء الـ10 تأمين أسلحة خاصة بهم، فيما بدت الإثارة واضحة عليهم للغاية بعد أن حصلوا على الأسلحة التي كانوا يبحثون عنها وأصبحوا جزءاً من مجموعات المعارضة التي استطاعت الانتصار على قوات النظام في المدينة، في محاولة للإطاحة ببشار الأسد ونظامه تتويجاً للثورة الشعبية التي بدأت في درعا عام 2011.
"جاسوس يخترق المسلحين"
بعد 5 سنوات من الصراع، يستمر 3 من الإخوة فقط في الحرب الدائرة حالياً، في حين قتل أحدهم، ويعمل اثنان آخران في مراكز طبية بحلب، بينما قرر البقية – مثل رضا – التوقف تماماً.
يقول رضا إن خيبة الأمل تسللت إليهم تدريجياً بسبب عدة عوامل، بدأت مع إدراكهم أن الجبهة الأمامية التي كانت تبدو هشة وغير مستقرة في بداية 2013، أصبحت أكثر ركوداً في العام نفسه، ومنذ ذلك الوقت استطاعت المجموعات الإسلامية المقاتلة التي استجمعت قوتها تدريجياً منذ النصف الثاني من عام 2012، الانتقال إلى غرب حلب، حيث بدأ الأمر بجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، ثم بعد ذلك دخل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وأضاف دخول تلك القوى المزيد من التعقيد على الصراع الذي تحول إلى صراع أيديولوجي أو إقليمي إضافة للصراع مع قوات النظام.
يقول رضا: "لقد استطعنا تجنب تلك المجموعات، إلا أن المشكلة الكبرى بدأت مع نهاية 2013 وبداية 2014، عندما انضم أحد المقاتلين إلى مجموعتنا، ووضعنا فيه ثقتنا، إلا أنه كان جاسوساً يتبع النظام السوري، وقد تمكن من الاستيلاء على جميع الأسلحة والأموال التي نملكها. كنا نملك 15 سلاحاً بين بنادق كلاشينكوف ورشاشات. ذهبنا إلى لواء التوحيد (الذي يقوم بالتنسيق بين معارضي حلب) ولكنهم لم يفعلوا شيئاً".
"القبض على 4 إخوة"
يبدو أن الأسوأ بالنسبة للأشقاء لم يكن قد حدث بعد. ففي عام 2014، قامت إحدى مجموعات المعارضة بالقبض على 4 من الأشقاء العشرة، يقول رضا: "لم أكن أنا وإخوتي أنس ورأفت وأحمد بالمنزل في ذلك الوقت، إلا أنهم قاموا بأخذ ما تبقى من الأسلحة، ومحاصرة المتواجدين بالداخل".
يضيف: "لقد أرادوا فعل شيء ما، ربما أرادوا قتلنا، إلا أنهم أدركوا أننا من إدلب وأن لدينا الكثير من أبناء العم الذين لن يتركوا حقنا إن قُتلنا، كما عرفوا أننا لسنا فاسدين، إلا أن الطريقة الوحيد التي كانت أمامهم هي تقديمنا للمحكمة، حيث اتهموا إخوتي بالإنتماء لقوات النظام، فتم وضعهم في السجن مدة شهر قبل أن يدفعوا مبلغاً مالياً من أجل الخروج".
يواصل رضا حديثه قائلاً: "لدينا الكثير من الأعداء، أقسم لك على ذلك، لقد قاتلنا بشار الأسد لأنه فعل الكثير من الأشياء الوحشية، والآن هم يفعلون الأمر نفسه".
يقول شقيقه رأفت، الذي بقي في حلب، إنه أيضاً فقد الأمل في أن تحقق الحرب أهدافها التي تمنوا تحقيقها منذ البداية، حيث يوضح: "الأمر صعب للغاية حالياً، خاصةً منذ دخول الروس إلى الساحة".
تحولت منطقة الفردوس التي يسكنها الأشقاء إلى أطلال بعد عامين من القصف المتواصل من قبل قوات النظام في البداية، حيث طمست البراميل المتفجرة التي تسقطها طائرات الهليكوبتر التابعة للنظام معالم المدينة، ثم بعد ذلك ضربات الطيران الروسي، التي تركزت بشكل حاد على المدينة قبل وقف إطلاق النار الحالي.
بالنسبة لرضا، كان قرار الرحيل أمراً لا مفر منه، حيث يقول: "في إحدى الليالي، عندما عدت إلى المنزل وجدت خطاباً معلقاً على باب منزلي يحمل تهديداً من مقاتلي القاعدة"، ويضيف: "بعد ذلك أصبح الأمر أكثر جدية، حيث كان أخي رأفت هناك قبل ذلك الوقت بـ15 دقيقة ولم يلحظ وجود أي شيء، لقد أخبرنا والدي بأنه فقد أنس ولا يريد أن يفقد بقيتنا، لذلك غادرت البلاد متجهاً إلى تركيا في تلك الليلة".
يقول رضا: "أنا لم أقاتل بجانبهم – القاعدة – أبداً، أنا بالأساس ناشط سياسي واضطررت إلى حمل السلاح لبعض الوقت بغرض الحماية".
رحلة رضا كانت طويلة إلى حد ما، فمن إسطنبول إلى أحد السجون البلغارية، حتى وصوله إلى ألمانيا حالياً، حيث يحاول تخفيف الضغط عن نفسه قائلاً: "مازلت أتواصل مع أسرتي في أغلب الأيام، إنهم يشعرون مثلي، لا يرغبون في مزيد من المشاركة في تلك الحرب، لقد أدركنا أننا نسير في الاتجاه الخاطئ".
على الرغم من تقلص عددهم، مازال بعض الإخوة يقاتون في حلب مع بعض مجموعات المعارضة الأخرى، إلا أن الأوضاع الحالية على حدود المدينة وخارجها لا تبشر بالخير على الإطلاق بالنسبة لهؤلاء، فعلى بعد 15 ميلاً في الغرب تتمركز قوات "داعش"، في حين تقف مجموعات متحالفة من حزب الله والميليشيات العراقية وبعض العناصر من الجيش السوري والقوات الكردية في الشمال، وهو ما أدى إلى حصار المدينة وقطع أي طريق للهروب نحو تركيا.
يختتم رضا حديثه قائلاً: "الجميع يقاتل من أجل سوريا الآن، إلا من حاربوا في البداية!".
هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The Guardian البريطانية.