هجوم بن قردان.. هل ينجح “داعش” في التمدد من ليبيا إلى تونس؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/12 الساعة 04:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/12 الساعة 04:15 بتوقيت غرينتش

على الرغم من انقضاء عدة أيام على هجوم بن قردان الواقعة في ولاية مدنين جنوبي تونس والحدودية مع ليبيا، ما يزال وقعه حاضراً في الأذهان، خاصة أنه يغذي مخاوف من تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من ليبيا إلى تونس.

انطلقت الإشارة من مسجد محلي عبر أذان الفجر.. فخرج عشرات المقاتلين المتشددين وانتشروا في مواقعهم يشنون هجوماً على ثكنة عسكرية ومراكز أمنية في مدينة بن قردان الواقعة على الحدود مع ليبيا في مواجهة غير مسبوقة بين القوات التونسية وأولئك المقاتلين.

بصمات "داعش"

وبسرعة انتشرت مجموعات المقاتلين في وسط المدينة، مستعملين مكبرات صوت وهم يهتفون "الله أكبر.. الله أكبر" ويرددون شعارات تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وكانوا يُطمئنون بعضَ مَن اعترضهم من السكان، بأنهم جاءوا لتحريرهم من "الطاغوت" في إشارة للشرطة والجيش.

ولكن بعد ساعات قليلة من الهجوم الذي وقع يوم الإثنين الماضي، نجحت القوات التونسية في القضاء على 36 من المهاجمين في معارك طاحنة قتل فيها أيضاً 12 من الأمن وسبعة مدنيين. وقالت السلطات إن الهجوم كان يهدف لإعلان بن قردان إمارة تابعة للتنظيم المتطرف وإيجاد موطأ قدم في تونس.

ولم يعلن التنظيم بشكل رسمي مسؤوليته عن الهجوم الذي قد يكون فعلاً هدفه السيطرة على أرض جديدة في شمال إفريقيا مع توسع نفوذ تنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا أو ربما كان هجوماً خاطفاً يستهدف ضرب الجيش المنهك منذ سنوات وزعزعة استقرار البلاد.

ومهما يكن الهدف، فإن رد القوات التونسية كان ناجعاً وصادماً للمقاتلين الذين فروا بسرعة وتحولوا من مهاجمين إلى مدافعين مختبئين في منازل ومبانٍ في مدينة بن قردان.

خطر محدق

وتُظهر معركة الإثنين الماضي مدى الخطر المحدق بتونس من طرف المقاتلين العائدين من سوريا والعراق، وخصوصاً من ليبيا، والذين هددوا عدة مرات بنقل الحرب إلى بلدهم تونس.

وعلى الرغم من استعداد الجيش لمثل هذا الهجوم وتكبد المتطرفين هزيمة كاسحة في بن قردان، فإن الهجوم يزيد الخشية من أن يكون البلد عرضة لمزيد الهجمات المباغتة مع انتشار الفوضى في ليبيا، حيث وسع تنظيم "الدولة الإسلامية" نفوذه.

تحقيقات مستمرة

ولا تزال السلطات التونسية تحقق بهجوم الإثنين الدامي، لكن التفاصيل تشير إلى أن أغلب المهاجمين تونسيون ومن أبناء المنطقة مع آخرين تسللوا من ليبيا. وبدا واضحاً أنه جرى تخزين أسلحة في عدة مخابئ بالمدينة قبل الهجوم بفترة.

وقال صبري بن صالح، وهو أحد سكان المدينة "الإرهابيون من بن قردان. نحن نعرف ملامحهم. كانوا يعرفون بيت رئيس جهاز مكافحة الإرهاب الذين قتلوه أمام بيته. كانوا يقودون سيارة ممتلئة بالأسلحة لتوزيعها على عناصرهم".

وعقب مواجهات بن قردان -وهي الأعنف بين الجيش والمتطرفين- شنت القوات التونسية حملة تعقب واسعة قتلت خلالها أيضاً 14 مسلحاً آخر واعتقلت آخرين. واكتشفت أيضاً خمسة مخابئ كبرى للأسلحة في المنطقة.

3 آلاف مقاتل

وتسعى السلطات التونسية لتحديد إن كان المقاتلون قد سافروا لسوريا أو العراق أو ليبيا سابقاً، رغم أن وجود عدد كبير من المقاتلين المتطرفين والأسلحة بالأراضي التونسية ليس أمراً مفاجئاً.

فبعد ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، ظلت تونس تعاني انتشار التطرف والجماعات التكفيرية التي استغلت مناخ الحرية الجديد لتنشر خطابا متطرفاً في المساجد.

وتعتقد الجهات الرسمية في تونس أن حوالي ثلاثة آلاف مقاتل تونسي سافروا لسوريا، للمشاركة في الحرب الدائرة هناك وأن جزءاً كبيراً منهم عادوا إلى ليبيا بينما عبرت أعداد كبيرة من التونسيين الحدود للانضمام لتنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا.

وتدرب مقاتلون هاجموا متحف باردو وفندقاً بمنتجع سوسة التونسية العام الماضي في معسكرات ليبية، قبل أن ينفذوا الهجومين الكبيرين اللذين استهدفا قطاع السياحة في تونس وقتل خلالهما عشرات السياح الغربيين.
ويلعب كثير من المقاتلين التونسيين أدوراً قيادية في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا ويشرفون على معسكرات تدريب وقيادة قريبة من الحدود التونسية.

خطة مدروسة

ولكن حجم هجوم يوم الإثنين لم يسبق له مثيل في تونس.. فالمقاتلون كانوا منظمين تنظيماً جيداً ضمن مجموعات تحاصر المقرات الأمنية والعسكرية، وكانوا يوزعون الأسلحة لعناصرهم من سيارة متنقلة في المدينة التي يعرفون أرجاءها بشكل جيد.

وقال شاهد اسمه حسن طابي "عندما خرجنا الفجر اعترضنا إرهابيون يحملون أسلحة كلاشينكوف في مفترق الطريق وقالوا لنا: لا تخافوا لن نستهدفكم نحن تنظيم الدولة".

وقال شاهد آخر "مسلحو داعش كان يقومون بدورية تفتيش متنقلة في الفجر. أوقفونا وطلبوا منا وثائقنا الشخصية، ثم أمرونا بترديد شعارات تمجد التنظيم قبل أن يخلوا سبيلنا".

موطئ قدم

ومع وجود عدد كبير من القيادات التونسية في الصفوف الأمامية لتنظيم "الدولة الإسلامية" في مدن ليبية مثل صبراتة وسرت وبني وليد، فإن إيجاد موطئ قدم في تونس يبدو نصب أعين هؤلاء القيادات.

وبدستورها الحداثي وانتخاباتها الحرة وتاريخها العلماني، باتت تونس هدفاً معلناً لجماعات متطرفة من بينها تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي يسعى لضرب ديمقراطيتها الناشئة بعد خمس سنوات بعد ثورة 2011.

ويقول المحلل جوف بورتر المختص في الأزمات في شمال إفريقيا "معركة بن قردان على بعد 20 كيلومتراً من الحدود مع ليبيا. هذا دليل على أن تنظيم الدولة له خلايا في كل مكان. ولكن ماذا يمكن لهذه الخلايا أن تقوم به وكيفية توجيهها من قيادة الدولة الإسلامية في سرت أمر غير معروف".

امتحان للقوات التونسية

الهجوم الأخير كان فعلاً امتحاناً عسيراً للقوات التونسية أمام مقاتلين منظمين بعد هجمات سابقة هزت صناعة السياحة التي توفر حوالي نصف مليون فرصة عمل وتساهم بنسبة سبعة بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الخام للبلاد.

وبينما وسع تنظيم "الدولة الإسلامية" نفوذه في سرت الليبية، تتزايد المخاوف في تونس التي بنت جداراً ترابيًّا وخندقاً على طول حدودها مع ليبيا؛ لمنع تسلل مقاتلين إليها مع تزايد فرضيات شن ضربات جوية غربية ضد التنظيم في الجارة ليبيا.

وبعد أربع سنوات من الكر والفر وحرب بلا هوادة ضد مسلحين في مناطق جبلية محاذية للحدود الجزائرية، استخلصت القوات التونسية عدة دروس وأصبحت على ما يبدو أكثر نضجاً وجاهزية في التعامل مع أي هجمات متوقعة.

انتصار معنوي

وقال المحلل الأمني التونسي علي الزرمديني "ما حصل في بن قردان هو فشل ذريع لداعش التي حاولت اعتماد المباغتة، مثلما تعتمد في العراق لكن الجيش كان جاهزاً، وأصبح يمتاز بفاعلية كبرى؛ نتيجة التنسيق مع الأمن، وأيضاً نتيجة التدريبات التي خضعت لها قواتنا على يد قوات بلدان لها خبرات كبرى".

ويشرف فريق من العسكريين البريطانيين على تدريب القوات التونسية لمساعدتها في ضبط الحدود. كما ينتظر أن يبدأ مدربون من الولايات المتحدة وألمانيا دورات للجيش التونسي لوضع نظام مراقبة إلكتروني للحدود.

وقال الزرمديني إنه رغم بعض الخلل الاستخباراتي في رصد المقاتلين الذين هاجموا بن قردان، فإن جهاز الاستخبارات يتعافى بشكل تدريجي، مستفيداً من التنسيق الكبير مع دول الجوار -ومنها الجزائر- ومع الدول الغربية.

وأضاف "قواتنا اليوم أصبحت مهيأة حتى نفسيًّا لخوض أي حرب بعد سنوات من الكر والفر مع مجموعات إرهابية في الجبال. وعملية بن قردان تثبت أن القوات التونسية أصبحت في منعطف جديد وعلى مستوى من الجاهزية غير مسبوق".

ولكن رغم صد الهجوم الكبير وكسب انتصار معنوي مهم للجيش التونسي على حساب المقاتلين الإسلاميين المتطرفين.. ستبقى القوات التونسية محل امتحان متكرر على الأرجح في ظل إمكانية شن هجمات جديدة تحضّر في ليبيا وقد تنفذ في تونس.

تحميل المزيد