حقيقية أم خدعة من التنظيم؟..تباين في آراء الخبراء بشأن وثائق “الدولة الإسلامية”

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/11 الساعة 09:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/11 الساعة 09:52 بتوقيت غرينتش

بعدما أعلنت شبكة "سكاي نيوز" التلفزيونية البريطانية، الأربعاء 9 مارس/آذار 2016، أن عنصراً منشقاً عن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) سلَّمها وثائق تتضمن بيانات شخصية لـ22 ألفاً من أفراد التنظيم الجهادي، تباينت آراء الخبراء بشأن صحة تلك الملفات التي تقدّم تفاصيل عن المقاتلين الأجانب المُحتملين، والذين وصلوا إلى سوريا والعراق.

فبينما رأى البعض أن الملفات المسرّبة قد تكون مزوّرة، رجّح البعض الآخر أن تكون حقيقية، فيما قال آخرون إنها قد تكون خدعة مقصودة من التنظيم للحيلولة دون انشقاق عناصره.

فالملفات التي نشرتها وسائل إعلام ألمانية وبريطانية وكذلك سورية معارضة، تُظهر الأسماء والعناوين وأرقام الهواتف لنحو 1700 شخص تم تحديد هوياتهم في 22 ألف وثيقة مُسرّبة، بحسب تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية، الجمعة 11 مارس/آذار 2016.

وبحسب الوثائق فإن المُلتحقين بالتنظيم يُطلب منهم الإجابة عن 23 سؤالاً، بما في ذلك اسم عائلة والداتهم، وفهمهم لأحكام الشريعة، وفصيلة الدم.

إن كانت حقيقية؛ فإن تلك الملفات والتي يبدو أنها مُعدّة قبل عدّة سنوات، ستساعد على تحديد شبكة الاتصالات التي يجري معها التنظيم تواصله، وكذلك الداعمين الأجانب المُنتقلين للحاق بداعش على أرض المعركة الرئيسية في العراق والشام.

تشكّك في صحتها

وبحسب ما ذكر تقرير الصحيفة البريطانية؛ فقد أعرب متخصصون في شؤون التنظيم عن آراء متباينة حيال صحة الوثائق، والتي يبدو أنها قد أتت من قِبل نفس المصدر.

جيمس هاركين، وهو مؤلف كتاب موسم الصيد، الذي يسرد وقائع اختطاف الأجانب في سوريا من قِبل داعش والجماعات المتطرفة الأخرى، كان له رد فعل متشكك حيال ما تم الكشف عنه؛ فقال "عادة ما كان يُعرض عليّ شرائح ذاكرة يُقال إنها تحتوي على وثائق متعلقة بداعش، والتي تُعرض للبيع على الحدود السورية التركية".

وقال مشيراً إلى التناقضات المختلفة في تلك الملفات؛ إن بعض التفاصيل مثل أرقام الهاتف من المكن أن تكون صحيحة؛ ولكن البعض الآخر ربما قد تعرضت للتعديل لجعل تلك الوثائق أكثر قابلية للبيع".

وأضاف "إن المأساة هي أن الناس في تلك المنطقة ليس لديهم طريق آخر لكسب المال غير تزوير الوثائق، لذا فإنه من الصعب التحقق من صحتها".

كما أعرب محللون آخرون أيضاً عن شكوك مشابهة حيال اللغة والتعبيرات المُستخدمة بالوثائق، على الرغم من عدم تواجدها في وثائق أخرى صادرة عن داعش.

وقال تشارلي وينتر، وهو باحث بجامعة ولاية جورجيا "سيكون هناك جرس إنذار كبير بالنسبة لي، لأنني عندما رأيت تناقضات من هذا القبيل في السابق، كانت الوثائق مُزوّرة على نحو رديء".

ويبدو أن الاستبيانات قد جُمِعت من متطوعين أجانب في نهاية عام 2013، أي قبل ستة أشهر من استيلاء داعش على الموصل وإعلانها قيام الدولة الإسلامية.

ويمكن تفسير بعض التناقضات من خلال حقيقة أنه في هذه المرحلة لإعداد الملفات؛ لم تكن بيروقراطية التنظيم قد حققت بعد التطور الذي أحرزته في وقت لاحق. فالملفات كانت على شريحة ذاكرة تركها مسؤول كبير للأمن لدى داعش في سيارته وتمت سرقتها عندما ذهب إلى اجتماع.

وفيما تُركز الحكومات الأجنبية ووسائل الإعلام الدولية على العناصر الأجنبية المنضمة للتنظيم؛ تقول وزارة الداخلية في بغداد إن نحو 85% من المُقاتلين لدى داعش هم من العراقيين.

وقد تم إيقاف تدفق الأجانب إلى حد كبير؛ لأن العبور من تركيا إلى سوريا صار الآن أكثر صعوبة مما كان عليه خلال عامي 2013، و2014.

ومنذ ذلك الحين؛ قامت القوات شبه العسكرية الكردية السورية والمدعومة من قِبل الغارات الجوية الأميركية والروسية بإحكام السيطرة على مُعظم الجانب الجنوبي من الحدود، أي ما يبلغ 550 ميلاً إلى جنوب الحدود. كما تضغط الولايات المتحدة أيضا على تركيا لإغلاق ما تبقى من الطرق التي تسلكها داعش بالجانب التركي من الحدود.

وفي الوقت الراهن؛ تُشجع داعش المجندين الأجانب المحتملين إما على القيام بأعمال انتحارية في بلدانهم أو على الذهاب إلى الأماكن التي يسهل للوصول إليها أكثر من غيرها، مثل ليبيا.

وتتراوح أعداد القوات الهجومية المُدربة تدريباً عالياً بالتنظيم بين 20 ألف إلى 30 ألف مقاتل، فضلاً عن 40 ألف إلى 50 ألف مقاتل لديهم القدرة على خوض المعارك الميدانية، بحسب ما نقلت الصحيفة عن نائب مستشار الأمن القومي العراقي، متحدثاً في بغداد، صفا حسين الشيخ.

ويعتقد حسين الشيخ أن التنظيم لم يعد قادراً على تعويض خسائره في أكثر وحدات المتطوعين الأجانب فعالية، نظراً للانقطاع عن العالم الخارجي، والذي صار إليه التنظيم على نحو متزايد.

فقد تراجع داعش عن عدد من المناطق في الشهور الأخيرة، وفقد مدن الرمادي وسنجار في العراق فضلاً عن أراض كانت يسيطر عليها في شمال سوريا.

ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى أن خصوم التنظيم بإمكانهم استدعاء الضربات الجوية الأميركية والروسية بأي موقع محدد تسيطر عليه داعش، كما بإمكانهم شن هجمات على الطرق والمنشآت النفطية التي تستخدمها داعش.

كما يشير لاجئون من مدينة الموصل إلى ارتفاع تعجيزي بالأسعار في الأسواق بالمدينة بسبب نقص السلع والمواد الغذائية.

قد تكون حقيقية

في المقابل، قال مسؤولون ألمان بمكافحة الإرهاب إن ما تم تسريبه من ملفات تكشف عن هويات الآلاف من المقاتلين الأجانب الذين سافروا إلى العراق وسوريا من الممكن أن تكون حقيقية.

وفيما يحث محللون على توخّي الحذر بشأن مدى صحة الوثائق. أكد وزير الداخلية الألماني، توماس دي مايتسير أخيراً أن الشرطة الألمانية تتصرف بناء على افتراض صحة الوثائق.

من جانبه، رجح أنتوني جليز، مدير مركز دراسات الأمن والمخابرات في جامعة باكنغهام، أيضاً صحة تلك التسريبات، وقال "هذه الوثائق ليست فقط خرقاً أمنياً ضخماً لداعش ولكنها أيضاً ضربة كبيرة لوكالات الاستخبارات الغربية".

وتابع بقوله "إنها من الممكن أن تكون مماثلة في ضخامتها لاكتشاف قائمة عضوية الحزب النازي في مصنع مهجور للورق في ألمانيا عام 1945. وبإمكان تلك الوثائق أن تساعد على توجيه ضربة مدمرة".

خدعة من التنظيم

بينما رأى آخرون أن تسريب الوثائق كان خدعة مقصودة من التنظيم بغرض منع أصحاب هذه الأسماء من الانشقاق كي يبقى أمامهم طريق واحد هو القتال حتى الموت، وفق تقرير نشرته صحيفة دايلي ميل البريطانية.

إيلايجا ماغنيير، خبير شؤون مكافحة الإرهاب الذي تزيد خبرته عن 32 عاماً في شؤون الشرق الأوسط، كتب على تويتر تغريدات قال فيها "لا أصدق أنه تسريب، بل إن داعش تستخدم أسلوب صدام حسين الابتزازي لإجبار الجهاديين على القتال، رسالتها في ذلك أنه لا مفرّ لكم، وبهذا لا يرى هؤلاء المقاتلون الـ22 ألفاً أي مخرج من ورطتهم، وأراهن أن داعش هي من نشرت المعلومات كي تبسط مساحة نفوذها."

وأضاف أيضاً "إن جهاز استخبارات داعش كشف عن عمد أسماء عائلات مقاتليه كي يستميتوا في الدفاع عن أراضي الدولة حتى الرمق الأخير".

وتابع أيضاً إن الرجال الذين ذهبوا للقتال في سوريا والعراق انخدعوا بالرواتب والأجور التي ما عادوا يتلقونها، وإن المفارقة في الموضوع هي أنه ما من داعٍ لكي تدفع داعش لهؤلاء أتعابهم بعد اليوم لأنهم ببساطة لا مهرب ولا منجى لهم.

ويرى الخبراء أن المعلومات إن صحت فقد تسهم كثيراً في تعقب الجهاديين الذي تسربوا إلى أوروبا بهدف ترويعها وتحويل شوارعها إلى مسارح دموية كبرى، خاصة أن جواسيس بريطانيين ذكروا أن نصف البريطانيين الذين انضموا إلى التنظيم قد عادوا إلى بريطانيا وقد يعتزمون أن يعيثوا فساداً في البلاد.

يذكر أن الوثائق المنشورة ذكرت ما لا يقل عن 16 مقاتلاً بريطانياً فضلاً عن جنسيات أخرى تعتبر مرتعاً للإرهاب مثل تونس وأفغانستان وباكستان واليمن، لكن الغالبية العظمى كانت من السعودية.

هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The Independent البريطانية.

تحميل المزيد