نظرة على فلسفة العلم

تهتم فلسفة العلم إلى جانب ذلك بمجموعة مهمة من المسائل التي لا بد أن تشغل أي باحث علمي، مثل أخلاقيات العلم خاصة مع مسائل مثل الهندسة الوراثية وتطوير تكنولوجيا التسليح وخاصة النووى

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/10 الساعة 06:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/10 الساعة 06:54 بتوقيت غرينتش

يعاني مجتمعنا العربي بشكل كبير من شيوع الخرافة وازدهارها بما يتعارض وروح العصر السائد ومع تغير مفهوم الثقافة في العصر الراهن من مجرد إمتلاك المعرفة إلى تطور الوعي والتفكير النقدي الذي يمكّن الشخص من الأدوات اللازمة لفرز الغث من الثمين من الأخبار والآراء.
والعلم الطبيعي كنسق معرفي يحتل اليوم مكان الصدارة في النظم المعرفية من حيث التعامل مع موضوعات العالم.
ومنذ نشأته في أوروبا الغربية منذ بواكير عصر النهضة، خاصة مع التحول الكبير الذي حدث بوضع كوبرنيكس نموذجه لمركزية الشمس في المجموعة الشمسية انتشر شيئاً فشيئاً إلى شتى ربوع المعمورة
وحقق نجاحات مذهلة ليس فقط في العلوم الصلبة مثل الفيزياء والكيمياء والأحياء بل أيضاً امتد إلى العلوم الاجتماعية مثل علم الاجتماع وعلم النفس وكذلك الإنسانيات مثل اللغة والتاريخ.
تبدأ القصة منذ فجر التاريخ، ولكن التحول الكبير كان مع عصر النهضة حين وضع فرانسيس بيكون أسس المنهج التجريبي القائم على أن المعرفة تنطلق أساساً من معطيات الحس ورينيه ديكارت الذي وضع أسس المنهج الرياضي وما زال هذان المنهجان صنوين في تطور العلم وطوال تاريخه
وبقدر نجاح العلم لم تخل مسيرته من مشكلات فلسفية وأخلاقية.

وبات المنهج العلمي وتاريخ العلم موضوعاً للجدل الفلسفي طوال فترة تاريخه فيما يعرف بفلسفة العلم
وفلسفة العلم هي ذلك الفرع من الفلسفة الذي يعني بالعلم ومنهجه وكيفية تطوره ومدى يقينية المعرفة العلمية.

وقبل منتصف القرن العشرين كانت فلسفة العلم فلسفة معيارية فكانت تستهدف: أولاً، وضع قواعد للحكم على النظريات العلمية إن كانت صحيحة من عدمه. وثانياً: انتقل الجدل إلى الحكم على النظريات والفرضيات إن كانت علمية أصلاً أم لا تستحق ذلك الوصف.

تعددت المحاولات منذ البداية في وضع تلك المعايير بدا من وضع نموذج للفيلسوف الفرنسي بيير دوهيم والفيلسوف المنطقي الأميريكي نموذج أطلق عليه نموذج دوهيم-كواين وهو مجموعة من القواعد للحكم على النظريات العلمية.

ثم ظهرت محاولات المدرسة التجريبية الجديدة أو الوضعية المنطقية عن طريق مجموعة من الفلاسفة والمناطقة كانوا قد شكلوا ما عرف بحلقة فيينا وانضم لهم في ذات الأطروحة مع فروق طفيفة مجموعة أخرى من الفلاسفة.

كان معيار القابلية للتحقق أي قابلية الفرضية للاختبار التجريبي هو جوهر الأطروحة، وباتت أى فكرة لا تقبل الخضوع للتجربة علم زائف أو بلا معنى، ثم ظهر معيار القابلية للتكذيب على يد الفيلسوف الكبير كارل بوبر، والذي كان يفترض أنه لكي نحكم على نظرية بأنها علمية فلا يكفي دعمها بالقرائن التجريبية أو الملاحظات، بل لا بد أن تخضع للاختبار النقدى الذي يستهدف تكذيبها وما دامت النظرية قائمة فهي عرضه لهذا الاختبار أي وقت إذا ظهر ملاحظات تتعارض معها. ولا بد أن التفرقة بين الخرافة والعلم حيوية جدًّا لأنها تساعد في تلافي تصديق كل ما يقال لنا.

حدث تحول كبير في مسيرة فلسفة العلم مع ستينيات القرن العشرين، مع ظهور الاهتمام بتاريخ العلم والنظر إليه بمنظور مختلف، فبات البحث في كيفية تطور العلم الشغل الشاغل لفلاسفة العلم مذ طرح الفرنسى جاستون باشلار فكرة النمو الشجري للمعرفة العلمية بدلا من نموها في خط مستقيم، فوصف كيفية تفرع طرق العلماء بشكل يمثل قطيعة مع النظريات السابقة، وجاء التحول الحاسم مع ظهور كتاب الفيلسوف الأميريكي الأشهر توماس كون "بنية الثورات العلمية"، والذي طرح فيه فكرته عن ثورية التطور العلمي عن طريق حدوث "تحول نوعي" في الفرضيات الأساسية التي تحكم مجتمع علمي ما، وبات تطور العلم قرين قناعات المجتمع العلمي، مما فتح الباب لدراسة سوسيولوجيا العلم، وكيف أن النظريات الحديثة لا تلغي القديمة لانطلاقهما من أساسيات مختلفة، بحيث لا يمكن مقارنتهما معاً، وبذلك فتح الباب أمام دعوى نسبية المعرفة العلمية التي حمل لواءها بول فييرابند الذي دفع بأن العلم من خلال قراءة تاريخه يستعصي على وضع منهج من الأساس.

تهتم فلسفة العلم إلى جانب ذلك بمجموعة مهمة من المسائل التي لا بد أن تشغل أي باحث علمي، مثل أخلاقيات العلم خاصة مع مسائل مثل الهندسة الوراثية وتطوير تكنولوجيا التسليح وخاصة النووى، وعلاقة العلم بالدين، بالإضافة إلى آلية تمويل الأبحاث العلمية وكيفية تحكمها في مصادره مثل شركات الأدوية، وأبحاث الفضاء المثيرة للجدل عن جدواها مع التكاليف الباهظة للرحلات إلى الفضاء الخارجي.
وفي النهاية إذا أردنا نحن العرب أن نلحق بركاب الحضارة فلا بد من الأخذ بأسباب التقدم ومن أهمها العلم، ولكي نفهمه جيداً لا بد من معرفة فلسفته.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد