عندما كنت أستعرض ملاحظاتي القديمة في فيسبوك، عثرت على مقالة مثيرة منشورة بتاريخ 12 سبتمبر/أيلول 2010م.
وفيها: "إسرائيل أضعف مما نتصور.. وتحرر الشعوب العربية من تسلط حكوماتهم بدأ يزداد ويأخذ نقلات نوعية، وعُقدة المسبحة يمسك بها الشعب المصري حالياً، ما إن تمكن من حلِّها حتى ستفرط معها بقية حبات المسبحة العشرين، وسيأخذ الصراع مع العدو شكلاً مختلفاً، كيف لا؟ وقد زالت عنه أهم عقبة وهي التعاون اللامقبول (الحالي) مع الغرب، وسيكون مبدأ السيادة البند رقم واحد في هذا التعاون، والاحترام المتبادل وإقرار حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وستكون الآليات الديمقراطية للأقطار العربية -داخليًّا- قد فُعِّلَت، مما يعطي حيوية وجدية لتلك المطالب..".
أليست تلك المقالة التي لم يكد يقرؤها غير كاتبها، تمثل نبوءة بالثورات العربية قبل انفجارها بأشهر قليلة، ألا يمكن الاستفادة مما ورد فيها لتفسير بعض أسباب تلك الثورات؛ لأنها كتبت زمن الغليان وقبل الانفجار العظيم.
ما أستطيع أن أؤكده أن تلك المقالة كتبت من خلال متابعة يومية لما يتم تداوله في فيسبوك، وربطه بالمشاهدات اليومية، حاولت استجماع المعطيات التي دعتني لكتابة تلك العبارة، خاصة أنها سبقت ثورات العرب بأشهر قليلة فبينها وبين الحراك التونسي الذي انتهى بثورة (3) ثلاثة أشهر، وأكثر قليلاً بينها وبين ثورة يناير المصرية، لقد كتبت تلك المقالة بعد متابعة غير منقطعة عما كان يكتب في فيسبوك حينذاك، وكان عنصر الرضا عن السلطات الحاكمة هو العنصر الغائب، كان الكل يكتب ويدوّن، سواء كان مختصا بالسياسة أو الاقتصاد أو الأدب، وحتى المواطن العادي، كان له رأيه وقراءته للواقع.
كل أولئك كانوا يستقلون قطاراً واقفاً في سكة صدئة، محاولين تحريكه بأقلامهم لعله يتقدم إلى محطة التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يرومون، ويبدو أنهم اضطروا للنزول، تاركين أقلامهم وأوراقهم غير المنتجة، واستخدموا أيديهم في دفع القطار ودماءهم في تسريع سير عجلاته.
ما كان يدون في فيسبوك وغيره من المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، ما هو إلا انعكاس لحياة الناس العادية واليومية في منازلهم وشوارعهم وأسواقهم ومزارعهم ومكاتبهم ومدارسهم، لم يكن باستطاعة عملاء المخابرات العالمية أن يتحكموا بيوميات الناس التي عبّروا عنها خلال السنوات الأخيرة السابقة للثورات العربية، ولم يكن أولئك الناس بحاجة إلى تلك الأجهزة المخابراتية عندما عبرت بأساليبها البسيطة والتلقائية والصادقة.
ولعشاق نظرية المؤامرة نقول: إنها ثورات شعبية تلقائية استجابت لحراك التاريخ الذي لم يكن حكراً على الأمريكيين في العام 1776، ولا الفرنسيين في العام 1789م، أو غيرهم ممن سبقوهم أو لحقوا بهم، بالمقابل كان متوقعاً أن تسعى الدول المؤثرة في العالم لمحاولة الاستفادة من العهود الجديدة، ولو عدنا للتصريحات الأميركية والفرنسية قبل يوم من سقوط بن علي ويوم بعد سقوطه، للاحظنا النفاق السياسي، فقبل السقوط عبارات دبلوماسية حذرة، وبعد تأكد السقوط إشادة بالحركات الشعبية الجديدة، وهناك فرق بين خلق ثورة وبين الاستفادة منها لاحقاً.
لقد ثبت أن البوعزيزي صاحب عربة الخضار المصادرة حاول لقاء مسؤولي البلدية في مدينته، ولم يثبت أن هذا المواطن العربي البسيط قد التقى بأي عنصر مخابرات، وإن كان هناك من مؤامرة فهي على قرار الشعوب في تسلم زمام المبادرة واتخاذ قرارها الذي ترى فيه مصلحتها.