يبدو أن إسقاط عضوية النائب توفيق عكاشة داخل مجلس النواب المصري لم يكن إلا بداية لمخطط الإطاحة بعدد من النواب، وذلك مع إعلان بدء إجراءات إسقاط عضوية النائب مرتضى منصور، رئيس نادي الزمالك، الأمر الذي يعد سابقة لم تحدث من نواب الحزب الوطني في برلمان عهد مبارك.
ويخطط ائتلاف دعم مصر – الذي يمثل الأغلبية داخل المجلس – للتخلص من الأصوات المزعجة تحت القبة، وذلك مع إعلان مصادر داخله تجهيز قائمة بنواب سيتم إسقاط عضويتهم، وتصريح للمتحدث الرسمي باسم الائتلاف علاء عبدالمنعم حول ضرورة تطهير المجلس لنفسه بنفسه، وجاءت تلك التصريحات عقب تقدمه بمذكرة طلب إسقاط عضوية مرتضى منصور.
إجراءات معقدة لإسقاط العضوية
من جانبه قال المستشار الدستوري نور الدين علي إن مسألة إسقاط العضوية عن النائب نظمتها المادة 110 من الدستور، التي تحدثت عن 3 حالات لإسقاط العضوية، منها الإخلال بواجبات العضوية، والحالة الثانية فقدان الثقة والاعتبار، والثالثة عدم توافر أحد شروط العضوية، واشترطت موافقة ثلثي الأعضاء على إسقاط العضوية.
وأكد نور الدين لـ"عربي بوست" أن اللائحة الداخلية للبرلمان حددت إجراءات كثيرة ومعقدة بخصوص مسألة إسقاط عضوية نائب، وذلك بعرض الأمر على لجنة القيم، وإذا ارتأت أن الجزاء الذي يجب أن يوقع على العضو هو إسقاط العضوية، تتم إحالة الأمر إلى اللجنة العامة التي تفصل في الأمر خلال 10 أيام، مع إرفاق تقرير بيان إجراءاتها، وما أسفر عنه البحث والتدقيق.
وأشار إلى أن اللجنة العامة منوط بها – وفق اللائحة – أن تقوم بإحالة الطلب بعد موافقة الأغلبية بداخلها، وبقرار مسبب وبتوقيع أحد الجزاءات أو حفظ الطلب، ولو انتهت إلى أن ما نسب إلى العضو يعد مخالفة جسيمة تستوجب إسقاط العضوية أحالت الأمر بتقرير إلى مكتب المجلس، الذي يقرر إحالة العضو إلى لجنة مشتركة، من اللجنة العامة ولجنة الشؤون الدستورية، وللجنة العامة أيضاً حفظ الموضوع أو اقتراح إسقاط العضوية، وجميع تلك الإجراءات لم يتم تطبيقها في حالة إسقاط عضوية توفيق عكاشة.
وذكر أن عدم اتباع الإجراءات الخاصة بإسقاط العضوية يعد مخالفة للائحة التي أقسم على احترامها أعضاء البرلمان، تفقد المجلس المصداقية على احترام الدستور والقانون، خصوصاً في ظل عدم جواز الطعن على إسقاط العضوية، فلا تملك أي محكمة أن تلغي عمل البرلمان في ذلك؛ لأن مسألة إسقاط العضوية من الأعمال البرلمانية السياسية المحصنة ضد رقابة المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وهذا ما استقرت عليه أحكام الدستورية العليا في الكثير من أحكامها.
"دعم مصر" وتصفية الحسابات
ويبدو أن الأمر لم يكن موقفاً خاصاً من عكاشة أو رد فعل على تصرف محدد، ولكن هناك قائمة أولية لأكثر من 5 نواب يخطط "دعم مصر" لإسقاط عضويتهم، وهو ما تم نشره في تقرير لموقع "فيتو" الذي يمتلكه رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، الذي جاء فيه أن من بين هؤلاء النواب كل من مرتضى منصور، وسمير غطاس، وسعيد حساسين، ومصطفى بكري، وأحمد الطنطاوي.
وتبرر قيادات الائتلاف هذا الأمر بأن هؤلاء النواب يتعمدون التجاوز بحق البرلمان ورئيس المجلس بشكل دائم عبر الفضائيات، إضافة إلى تصريحاتهم وكلماتهم داخل القاعة، ما من شأنه التأثير بشكل سلبي على أداء البرلمان، وتصدير صورة سلبية عنه إلى الخارج.
أهواء جماعة
وعن تفاصيل ما يحدث تحت قبة البرلمان، يقول الدكتور سمير غطاس، النائب المستقل، إن "ما تم من إجراءات إسقاط عضوية عكاشة شابها الكثير من الأخطاء، والأمور تتم وفق أهواء جماعة تسعى للسيطرة على المجلس، وتتبع سياسة تصفية الحسابات".
وأكد غطاس لـ"هافينغتون بوست": "لسنا ضد تطبيق القانون والدستور، وأنا أول نائب طالب بالتخلي عن الحصانة البرلمانية، ولكن الأمور تسير بشكل مختلف تماماً، وما قاله المتحدث باسم ائتلاف دعم مصر من أنه يجب على المجلس أن يطهّر نفسه بنفسه مؤشر خطير وغير مسبوق للإطاحة بأي صوت مختلف تحت المجلس، وإقصاء الآخرين".
وأشار غطاس إلى أن الوقائع التي حدثت مع عكاشة تؤكد منهجية الأمر، "وهو شيء شديد الخطورة، والقائمة التي يتم تسريبها لمجموعة النواب التي يسعى الائتلاف لإسقاط عضويتها وبدأت الآن مع مرتضى منصور، جميعها من النواب المؤيدين للرئيس عبدالفتاح السيسي، وهنا على الرئيس أن يدرك أن منهج
(دعم مصر) هو أكبر ضرر لمصر ولشخصه".
10 أسباب لإسقاط عضوية مرتضى
في الجهة المقابلة يؤكد علاء عبدالمنعم، المتحدث باسم "دعم مصر"، أن الأمر ليس كما يحاول أن يصفه البعض، مشيراً إلى أن تصرفات مرتضى تستوجب إسقاط عضويته، وهو ما تم توضحيه تفصيلاً داخل المذكرة التي تم إرفاقها مع الطلب.
وأكد عبدالمنعم في تصريحات صحفية أن الإجراءات تتم في ضوء أحكام الدستور، ووفق الآليات التي حددتها اللائحة الداخلية للمجلس، والتصويت يكون بأغلبية الثلثين، والمطالبة بإسقاط عضوية مرتضى لفقده الثقة والاعتبار، وهو ما تم رصده في المذكرة، ومن المنتظر أن تناقشه اللجنة الخاصة التي يتوقع تشكيلها لدراسة الطلب.
ووفقاً لما جاء بالمذكرة الرسمية ذكر عبدالمنعم عدة أسباب في طلبه إسقاط عضوية مرتضى، منها: التلفظ بألفاظ نابية تخدش الحياء، واستخدام لغة هابطة وسوقية على شاشات التليفزيون، إضافة إلى استخدامه لغة التهديد بأسلوب ممنهج وممارسته الإرهاب الفكري لمن يعارضه، وكذلك قيامه بالتدليس والكذب على مجلس النواب لتصفية حساباته مع خصوم له خارج المجلس، وقيامه بسبّ كل من يختلف معه فى الرأي أو يعارضه بأحطّ الألفاظ، بداية من السبّ بالأب والأم إلى التهديد بالضرب "بالحذاء"، فضلاً عن استخدامه إيحاءات جنسية ساقطة ضد خصومه في المجال السياسي أو الرياضي أو الإعلامي أو الفني بلغة سوقية هابطة وعبارات ساقطة.
وجاء بالمذكرة أن مرتضى تطاول على رمز الدولة المصرية رئيس الجمهورية بقوله: "زعلان يا سيسي طب ما تزعل أنا ما بخافش والحساب قادم"، و"أنا عندي الكثير لو قلته هاقلب مصر والعالم"، وكذلك إهانة المصريين والخوض في أعراضهم، ودأبه على التصريح المستمر بعدم احترامه الدستور، وأنه "لا يمثل عنده جناح بعوضة"، وتصريحه الدائم بأن "الدستور لا قيمة له عندي"، مع عدم الاعتراف بثورة الشعب في 25 يناير.
مرتضى يرد ببلاغ للنائب العام
وفي محاولة هادئة من النائب مرتضى منصور وعلى عكس طبيعته للرد على محاولة إسقاط عضويته، أعلن عن تقدمه ببلاغ للنائب العام ضد علاء عبدالمنعم، مشيراً إلى أن ما حدث مع النائب السابق توفيق عكاشة لن يتكرر معه، مؤكداً أن البلاغات التي قدمها ضد علاء عبدالمنعم تتم مناقشتها حالياً ويتم فحصها داخل المجلس.
وأكد منصور في تصريحات صحفية أن هناك بعضاً ممن يعتبر نفسه صاحب المجلس، ويلقي التهديدات هنا وهناك، مشيراً إلى أنه تقدم بمذكرة أيضاً داخل المجلس ضد تصريحات المتحدث باسم "دعم مصر" بعد تصريحاته التي قال فيها: "توفيق عكاشة مش آخر واحد وأنهم هيطهروا المجلس وذكر اسمي".
سابقة لم يقم بها الحزب الوطني
وعن تاريخ السوابق البرلمانية قال رامي محسن، مدير المركز الوطني للاستشارات البرلمانية، إن ما حدث من إسقاط عضوية عكاشة سابقة برلمانية لم تحدث من قبل في التاريخ البرلماني الحديث بمصر، مشيراً إلى أن إسقاط العضوية الذي حدث في عهد برلمانات الحزب الوطني جاء بناءً على أحكام قضائية خارجية، وليس من قبل المجلس.
وأكد لـ"هافنغتون بوست عربي" أنه من الممكن أن نتقبل ما حدث مع عكاشة؛ وذلك نظراً لما شاب أداءه تحت القبة من تصرفات غير مسبوقة، ولكن ليس من المقبول أن يتحول الأمر إلى تصفية حسابات تحت القبة، وإعداد قوائم بأسماء يتم التخطيط لإسقاط عضويتهم.