كنت أمشي بين زقاق وطني رافعاً رأسي سعيداً بحظي أشتري ما أشتهي، أستيقظ كل صباح مبتسماً بوجه أمي التي عانت وحرصت على سلامتي طوال هذه السنين، لكن جاء وقت لا تستطيع فيه أن تحميني من ابن بلدي أو حتى من صديقي الذي كان بجواري دائماً، لم تعد تستطيع أن تحميني من رصاصة أو قذيفة أو بحر يرسلني إلى نهاية حياتي وأنا لم أصل العشرين من عمري.
الحرب جعلت مني هشًّا.. والعظام تظهر في جسمي والسواد يملأ جفوني بسبب جوع وسفر بقيت فيه مستيقظاً أستذكر فيه اللحظات التي بقيت فيها أمي قلقة عليّ.. انتظرك يا أمي لكي تحميني، لكنني الآن ضعيف بلاكِ.. أنا الآن أصبحت رجلاً وأختي أصبحت امرأة، وكأنها وصلت الـ50 من عمرها، لقد هرمنا من حرب جعلت منا عاجزين عن حماية أنفسنا حتى..
لكن يا أمي أحمد الله على وصولي ذلك البلد الذي لا أعلم فيه لا عربيًّا ولا أعجميًّا.. لاموني على نزوحي واتهموني بالإرهابي، ولم يعلموا أنني طفل أنتظر قصة ما قبل النوم من أمي التي رحلت، لم يعلموا أنني كالطفل الرضيع أنتظر طعامي لأصبح قويًّا، لم يعلموا أنني كنت أحلم أن أكون طياراً، لكن الحرب جعلت مني حفاراً للقبور.. هجّرتنا هذه الحرب من أنفسنا كما هُجرنا من بلادنا.. أتمنى أن تموت الحرب كما ماتت نفوس البشر!
كم كنت أود أن أستنشق هواءً طيباً نقيًّا خاليًّا من الغبار وشظايا القذائف، يا ليتني لم أولد حتى لا أرى فتاة في عمر الزهور عائدة من مدرستها والحقيبة على ظهرها، نائمة كالحمل الوديع تحت ركام البيت، الحرب جعلت مني رجلاً بل عجوزاً، وجعلت مني قاسياً وخائفاً من الواقع المرير قبل أن أصل العشرين من عمري.. يا ليت الحرب لم تولد يا أمي. رأسي ما زال مرفوعاً لكن الابتسامة هجرت وجهي بعد هجري وطني.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.