لست أدري ما حقيقة هذا الأمر! وهل يستحق أن يُطلق عليه مشكلة أم لا؟! ولكن ما أنا متأكد منه أنني واجهتها دوماً، وربما واجهتموها أنتم كذلك، وارتأيت أنها تستحق أن أعرضها عليكم لنفكر فيها سويًّا.
لطالما كنت أضع الخطط كلما قررت القيام بأمر ما متوقعاً النجاح والفشل وأشياء أخرى بينهما، ولكن عندما لا أوفَّق في تحقيق هدفي كنت أجد نفسي في وضع أصعب من الفشل ذاته، كنت أجد نفسي بين شقي الرحا.
نعم، إن مواجهة الفشل هي أصعب من الفشل ذاته، فالأمر يتعلق بذلك الشعور البغيض الذي ينتاب المرء بعد مروره بتجربة فاشلة، حينما تشعر بتأنيب الضمير وتحمّل نفسك ذنوب البشرية جمعاء منذ عصيان إبليس لربه وحتى قيام الساعة، ترى أنك المسئول عن هذا وأنه نتيجة تقصيرك؛ ولكن فيمَ قصرت؟! لقد فعلت كل ما في وسعي. في حقيقة الأمر أنت لم تقصر ولكنك لا تدري ولا يشغل بالك أن تعلم فيما قصرت، وربما لن تعرف، فكل ما يشغل بالك هو أنك حتماً مقصر وتستحق لعنات السالفين، عندها ستدخل في حالة من الاكتئاب المزمن الذي مع مرور الوقت، تبدأ في التعايش معه، وكأنك ولدت به وليصل معك لدرجة تنسى معها لم أنت مكتئب؟! ولو سألك أحدهم لم أنت مكتئب؟!
لن تجد ما تجيب به سوى وجهٍ عبوس وعينين جاحظتين. إما أن تقرر الاستسلام لهذا الأخطبوط الاكتئاب ليحكم قبضته حولك استعداداً لالتهامك على مهل، أو أنك ستحاول يائساً الفرار منه؛ لتجد نفسك تسقط في شباك شعورٍ أكثر تدميراً وهو اللامبالاة؛ ستجد نفسك تنظر إلى كل شيءٍ حولك بلا أدنى اهتمام، نظرة روح قد نزلت عليها اللعنات لتحيا معلقة بين السماء والأرض لم تجد راحة في الدنيا.
ولا في الآخرة. لن تلوم نفسك على أي شيءٍ حدث لك فلا شيء يستحق اهتمامك؛ ستقول لنفسك محاولاً أن تتجاوز الأمر لقد حاولت وفشلت وهناك غيري لم يحاول أصلاً، وهناك آخرون لم يفكروا حتى بالمحاولة، لقد أجرمت في حق نفسي بمحاولتي وسعيي للنجاح، لم لا أكون فقط مثلهم بلا فعل وبلا رد فعل؟!
هذا ما ستصل إليه وهذا الشعور باللامبالاة سيتملكك لتشعر معه بالراحة، ولتصبح خفيفاً كريشة في مهب الريح، ولتنتشي وكأنك تحت تأثير جرعة من المخدر، ولكن مع الفارق وهو أنك لا تعلم متى سينتهي تأثيرها وستسلمك إلى حتفك. ففي الحقيقة هذا الشعور باللامبالاة هو الأخطر؛ لأنه من السهل أن تتعايش معه، ولن تشعر بأي مشكلة وسيمر بك الوقت وقد أصابك الخدر والكسل -الأعراض الأولية لهذا الشعور- ولو قدر الله وازدادت الحالة سوءاً ستجد نفسك تشعر بسلبية لا مثيل لها، قد تصل بك للانتحار عندما تجد حياتك أصبحت بلا هدف تصبح أسيراً في دائرة الفشل.
عندما فكرت مليًّا في الأمر.. وجدت أننا لم نتعلم يوماً ثقافة الفشل، نعم فكما للنجاح ثقافة وطرق لتحقيقه فللفشل ثقافة وأساليب لمواجهته مثله مثل أشياء كثيرة لم نتعلمها، فنحن لم نتعلم كيف نتعلم أو كيف نفكر أو كيف نختلف، وكذلك كيف نواجه الفشل. فبعد سنين عدة قضيناها معتقدين أننا نتعلم، لنكتشف في النهاية أننا فقط نحصل على شهادة في تخصص ما.
ولكننا لم نتعلم على الإطلاق كيف نعيش حياتنا بشكل سوي دون أن نكون فريسة للأمراض الاجتماعية والنفسية التي أصبحت متلازمات في مجتمعاتنا اليون نعيش بها من الطفولة وحتى الموت.
تلك الحقيقة أصبحت جلية تماماً أمامي عندما بدأت الأبحاث المعملية لأدرك وقتها أنه لا يوجد ما يسمى الفشل، فالنتائج السلبية تبقى في النهاية نتائج، ولا تقل بأي حال عن النتائج الإيجابية، فهي مثل الأخيرة تحتاج أيضاً إلى تفسير علمي وليس معنى مخالفتها لتوقعاتك أو نظرية وضعت منذ زمن من بشري مثلك أنها خاطئة بل قد تكون بداية لفتح علمي جديد. وعلى أقل تقدير فأنها ستساعدك لكي تسلك طريقاً آخر تصل في نهايته إلى هدفك، فكما قال هنري فورد: "الفشل ليس سوى فرصة لتجربة طريق آخر". ولو توقفت ولم تحاول أن تفسر السبب ولم تحاول أن تجد طريقاً أخر و تكرر المحاولة عندها فقط ستكون قد فشلت، فالفشل ليس سقوط الإنسان ولكنه بقائه حيث سقط.
في النهاية كل ما تحتاج إليه هو أن تدرك أن كل إخفاق تقع فيه يقربك خطوة إلى النجاح بشرط أن تتجنب سلوك نفس الطريق، لأن المقدمات المتشابهة حتماً تؤدي إلى نفس النتائج. هذه هي المعادلة البسيطة للتخلص من المشاعر السلبية التي تنتابنا عند الإخفاق؛ أن تقول لنفسك حسناً لقد اقتربت من تحقيق هدفي خطوة وليس عليّ أن أجرب مرة أخرى بأسلوب آخر.
أما أن تقع فريسة للاكتئاب أو اللامبالاة، حينها لن تحصل على النجاح ولا حتى على الفشل، بل ستجد نفسبين شِقَّيِ الرحا
ك تقف في اللاشيء، وستصبح أنت نفسك لا شيء لذا لا تضع نفسك أبداً بين شقي الرحا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.