يأتي الشتاء إليكَ ولو كنتَ في مصيف دائم، يدغدغ مشاعرك صوت الريح القادم من الشمال، الأتربة التي لا تصل إلى مسام جلدك أيضاً تشعر بها وتشتم رائحتها على بعد آلاف الأميال، إنه الإحساس بدخول فصل الشتاء والبرد القارس، تتحسس معاطفك القديمة وقمصلتك الجلدية التي عفا عليها الزمن، تتذكر كوفية البرد والجوارب الثقيلة مع أنك في مصيف أبدي، لكنه الشعور بالشتاء وتقلبات الطقس في العوالم التي عشتها قبل عالمك الحالي.
لا تحتاح أن تتذكر قهوتك المحلاة بالعسل لأجل برد الشتاء فهي قد صارت ملازمة لك وتحولت إلى نبيذك الأزلي، ونكهة القرفة والهيل وسط سواد القهوة الأكمل رائحة ومذاقاً.
يشتكي الناس من البرد وتشتكي من شكواهم، فمن ذا يشكو من حبيب غاب عنه طويلاً، فعاشق البرد يدفع قيمة تذاكر الطيران ليلحق رشفة منه، يسافر إليها من قُطر لقُطر، يخرج الشتاء من أرضنا كما تخرج السكين من الجرح.. خروجاً مؤلماً ولذيذاً معاً.
ويبدأ جنون الربيع وأنت في مصيفك السحيق وفي منفاك، حيث لا ورد ولا أزهار السيسبان تتفتق عن صفارها الموحي بالحياة، إنها الكحة والبرد و"طقطقة" العظام، وسخونة الأقدام، والكسل، وغَرفة من صداع دائم، ومقدمات الزكام المألوفة، أهلاً يا حساسية الربيع، أخبريني كيف تستطيعين معرفة هذا "الزغط" من العالم حيث لا ربيع مبهج، إلا أن حركة الطبيعة تتزين ببعض الزهر رغماً عن الصيف الدائم؟
الاضطراب والجفاف والضجر ومقدمات الملل من كل شيء هي أبرز ما يجلبه دخول الربيع، هذا العنف لا يتناسب مع اسمك يا ربيع ولا مع ورود نيسان، لا يذكرني سوى بصديق بعيد "تهبب" في روحه وأخذ حبشية كانت تقضم أذنيه إذا ما اشتاقته بصدق حميمي! تحملها عاماً ورحل في سياحة جبلية مرهقة، لكنها مرت كعذاب قدم منسي.
مؤلم الربيع في قدومه، لكنه حلو في توغله داخل أشهر العام على عكس الشتاء ، أما جفاف الربيع فهو كلعنة من حبيب غير متوقعة تحدث بسرعة البرق ولها وقع الصاعقة.
لكل فصل إلهامه ووجوهه وأحداثه التي تعتمل في الذات، وتحدث ضجيجاً كبيراً في العمق، ومن يظنون أن الربيع لا يصيبهم بالتحسس، فإنه حتماً يكون قد أصابهم بالبلادة وبرود الأعصاب و"بزكمة بنت كلب"، لكنهم فقط يكابرون ويدّعون أن الأمر طبيعي ولا علاقة له بقدوم مارس/آذار، لا يدركون أيضاً أن المريخ يلقي التحية في آذار وتحيته متدرجة ما بين العاصفة والحرب والزراعة، كخرافة العشق حاملة كل التناقضات اللامعقولة، لا مجال أمامك يا أنت إلا برفعة قبعتك لآذار وللمريخ معاً قبل أن "يمرخك" ويرحل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.