بعد تزايد الاختفاء القسري والتصفية الجسدية.. هل أصبحت ممارسات الشرطة المصرية أسلوباً ممنهجاً أم تظل حالات فردية؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/05 الساعة 14:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/05 الساعة 14:25 بتوقيت غرينتش

اختفى المهندس الزراعي محمد حمدان البالغ من العمر 32 عاماً والذي يعمل بالإصلاح الزراعي في منتصف يناير/كانون الثاني الماضي. وحسب ما أفاد شهود عيان، فقد داهم عناصر من الشرطة يرتدون أقنعة تخفي هوياتهم مكتبه الكائن بجنوب مدينة بني سويف وسحبوه من مكتبه مكبّل اليدين أمام زملائه بالمكتب.

واستمرت عائلة حمدان في البحث عنه 15 يوماً، كما تقدمت بشكوى رسمية متعلقة بالقبض عليه للاستفسار عن مكانه من أقسام الشرطة. ولكن لم يفصح أي مسؤول عن أية معلومة متعلقة بحمدان سوى أنه لم يتم القبض عليه، بحسب تقرير لوكالة أسوشيتد برس الأميركية.

أمسى حمدان في عداد الموتى في الـ25 من الشهر ذاته، لكن الرواية التي نقلتها الشرطة مغايرة تماماً، فقد أعلنت وزارة الداخلية أن قوات الشرطة قتلت حمدان في مواجهة نارية بعد مداهمة أحد المنازل الريفية التي اختبأ فيها.

وأضافت أن حمدان العضو، بجماعة الإخوان المسلمين، تسبب في مقتل شرطي. واستدعت السلطات أسرته من أجل التعرف على جثته بالمشرحة، حيث وجدوا أن الجثة تملؤها الثقوب التي سببتها الطلقات النارية.

وفي مقابلة مع والد القتيل أجرتها الوكالة في بيت الطين الذي تعيش فيه بقرية "بني سليمان" خارج مدينة بني سويف، نقلت الأسوشيتد برس عن قناوي حمدان قوله: "قبضوا عليه، وقتلوه، ثم أرسلوا جثته إلى المشرحة وكتبوا المحضر، وأغلقوا القضية، وفي النهاية أعطوني جثته كي أدفنها".

وأضاف صاحب الـ67 عاماً قائلاً: "لا يمكنني قتال الحكومة".

وتزيد ممارسات أجهزة الأمن المصرية من تأكيد الادعاءات التي ترجح المخاوف المتعلقة بخروج هذه الأجهزة عن السيطرة. ولأكثر من عامين لم يكن ثمة رادع أمام ممارساتهم ضد جماعة الإخوان المسلمين والمسلحين الإسلاميين، وهما التهديدان اللذان تعتبرهما الحكومة غير مختلفين عن بعضهما. فضلاً عن ذلك، استهدفت الشرطة النشطاء العلمانيين الذين يوجهون انتقادات للحكومة، وهو ما زاد قليلاً من انتقادات عامة الناس الذين يهمهم الأمن بالدرجة الأولى.

موجة غضب عارمة

وخلال الأسابيع الأخيرة تسببت الانتهاكات ضد المواطنين غير المسيسين في موجة غضب عارمة وغير معتادة وسط الناس. ومع الأداء الإعلامي الذي استمر في امتداح أداء الشرطة لمدة عامين وتجنب توجيه أي انتقاد لهم، بالإضافة إلى سنّ القوانين التعسفية، فقد خلا الشارع المصري من أي مظاهرات.

وخلال الأسابيع الماضية نظم الأطباء مظاهرة كبيرة بعد أن اعتدى أفراد من الشرطة على طبيبين بأحد المستشفيات. وعندما قتل أمين شرطة سائقاً بسبب خلاف على الأجرة تظاهر جيران القتيل الذي كان يعيش بأحد أحياء القاهرة، ما أدى إلى انتقاد كثير من مقدمي البرامج الموالين بشدة للحكومة المصرية أداء الشرطة بسبب تلك الممارسات.

وأنكر وزير الداخلية في أكثر من مناسبة أن يكون التعذيب والاختفاء القسري منهجيين، حيث قال إن هذه مجرد تصرفات فردية. وبعد مقتل السائق في الشهر الماضي وعدت الحكومة بإصلاحات يتم بموجبها إيقاف أي فرد من الشرطة إن وجد مذنباً. بيد أن تلك الإصلاحات لم تركز سوى على أمناء ومندوبي الشرطة أصحاب الرتب الأدنى، والذين تقول الحكومة إنهم مصدر تلك المشاكل.

إلا أن النشطاء الحقوقيين قالوا إن تلك الانتهاكات متعمدة ومستخدمة بين جميع أوساط ورتب الأجهزة الأمنية.

شريف محيي الدين، الباحث في مجال حقوق الإنسان والإرهاب بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، قال: "إن ممارسات الاختفاء القسري وحالات القتل خارج إطار القانون والتعذيب تزداد باطراد".

وأضاف قائلاً إن الشرطة "تمارس أفعالها ولديها حصانة كاملة". وقد شجع بعض المسؤولين علانية الممارسات العنيفة للشرطة. فبعد يومين من ظهور جثة حمدان، تعهد المستشار أحمد الزند، وزير العدل المصري، في تصريحات لأحد البرامج التلفزيونية قائلاً: "أنا شخصياً لن تنطفئ النار في قلبي إلا إذا تم قتل 10 آلاف من الإخوان ومن يعاونهم ويحبهم مقابل كل شهيد من القوات المسلحة".

القمع لن يحصد إلا الثورة

وقالت "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها الصادر في يناير/كانون الثاني إنه على الرغم من أن تهديد المسلحين في مصر يعد "أمراً حقيقياً"، فإن "الردود القاسية" التي تنفذها السلطات تسبب انقساماً أكبر. ويوضح التقرير أن الحكومة المصرية "أعلنتها صراحةً: ستسحق الآراء المعارضة".

وقال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش: "على الحكومة المصرية التعلم من التجربة التي استمرت لعقود بالبلاد: أن القمع الشديد لن يحصد في المستقبل سوى الثورة".

وتعد الانتهاكات التي مارستها الشرطة أحد الأسباب التي تسببت في اندلاع ثورة يناير 2011، التي أدت إلى خلع الرئيس الأسبق حسني مبارك. وقد أطاح الجيش في عام 2013 بخليفته المنتخب محمد مرسي بعد مظاهرات كبيرة ضده وضد جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها. تلا ذلك ترك قائد الجيش المشير عبدالفتاح السيسي منصبه، ليتم انتخابه رئيساً للبلاد بعد فوز ساحق بالانتخابات.

ومنذ خلع محمد مرسي كثف المسلحون من عملياتهم ضد الشرطة، ما أدى إلى مقتل المئات من أفراد الشرطة والجنود.

وقالت الجمعية المصرية للدفاع عن الحقوق والحريات إن 314 شخصاً على أقل تقدير تعرضوا لـ"الاختفاء القسري"، وهي تعني عملية احتجاز الشرطة لأحد الأفراد دون الإعلان رسمياً عن ذلك. ويوضح المحامون والنشطاء أن أجهزة الأمن تستخدم هذا التكتيك لاستجواب الشخص – وتعذيبه في أغلب الأحوال – قبل إبلاغ النيابة بالقبض عليه، وهي العملية التي من المفترض أن تتم خلال 24 ساعة وفقاً للدستور المصري.

أغلب هؤلاء يكونون على قيد الحياة عندما تعلن السلطات رسمياً في نهاية الأمر القبض عليهم، ولكن الجمعية وثقت حالتي وفاة على أقل تقدير في هذا العام، بمن فيهم حمدان، و5 حالات وفاة خلال العام الماضي، أحدهم وجدت بجسده آثار حروق وصعقات كهربائية.

مقتل رجيني

وتعد هذه المزاعم من الأسباب التي دعت النشطاء الحقوقيين إلى الاشتباه في أن أفراد الأمن يقفون وراء مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو رجيني، الذي اختفى في 25 يناير/كانون الثاني الماضي. ووُجدت جثة رجيني بعد 9 أيام ملقاة بأحد الطرق السريعة وعليها آثار تعذيب. ونفت وزارة الداخلية صلة أفراد الأمن بالحادث، حيث قالت إنه من المرجح أن يكون قد قُتل جراء خصومة شخصية.

ومن المعروف أن حمدان كان عضواً بجماعة الإخوان المسلمين، وأنه عمل من قبل ضمن الحراسة الشخصية لمرشد الجماعة محمد بديع. وبعد الإعلان عن مقتل حمدان في 25 يناير/كانون الثاني قالت وزارة الداخلية إن حمدان كان مشتركاً في خلية إخوانية قتلت على الأقل 3 أفراد من الشرطة. كما ذكرت الوزارة أنها داهمت إحدى الشقق بإحدى ضواحي القاهرة وقتلت شخصين آخرين كانا يعملان مع حمدان.

إلا أن عائلة حمدان قالت إنه مقبوض عليه من الأساس منذ أسبوعين.

وقال حسين، أحد إخوة حمدان، وكذلك أبوه إن زملاء القتيل الذين يعملون بأحد أقسام وزارة الزراعة هم من بلّغوا العائلة باعتقاله في العاشر من يناير/كانون الثاني.

في مكاتب قسم الإصلاح الزراعي بدا الموظفون خائفين من التحدث إلى الأسوشيتد برس، ولم يفعلوا ذلك إلا تحت شرط عدم ذكر أسمائهم خوفاً من الانتقام منهم.

أحدهم قال إنه "أُلقي القبض على حمدان"، ولم يستطرد في الحديث، حيث أوضح أنه أدلى بشهادته عن الاعتقال أمام النيابة.

وأضاف قائلاً: "لا يمكني التحدث أكثر من ذلك وإلا سأضع نفسي في مشكلة. كل ما يمكنني قوله إنني كنت في صدمة، ولا أزال في صدمة حتى اليوم".

وقال آخر: "إن هذه القضية سياسية"، ولكنه لم يوضح أكثر من ذلك.

البقاء لله

وعرض أخوه مجموعة من المحاضر الرسمية التي تقدمت بها عائلته بشأن اعتقاله، لإثبات التاريخ الذي اختفى فيه حمدان. وكان تاريخ أول تلك المحاضر في العاشر من يناير/كانون الثاني، وهو محضر رسمي بمكتب النيابة ببني سويف. بالإضافة إلى المحاضر التي تقدموا بها إلى أقسام الشرطة والنيابة ووزارة الداخلية وجميعها مؤرخة بتواريخ الأيام التالية ليوم اعتقاله.

ومع مواصلة عائلة حمدان في الحديث عن القبض عن ابنهم، ألقي القبض على أحد أخوته وتم إيقافه 4 أيام دون تهمة، فيما اعتبرته الأسرة محاولة لتخويفها.

ورفض شريف الجمال، وكيل النائب العام ببني سويف، التعليق، حيث قال إن التحقيقات لا تزال مستمرة.

فيما أرسل الضابط المناوب بقسم بني سويف، النقيب أحمد مشرف، الأسوشيتد برس إلى قسم إعلامي محلي تابع للجهاز الأمني، غير أن القائمين فيه رفضوا التعليق على أي شيء.

ويصف والد المهندس الزراعي كيف استدعاه ضابط شرطة إلى القسم في 25 يناير/كانون الثاني ليعلمه بوفاة ولده.

يقول الأب إن الضابط بدأ حديثه قائلاً: "أنت رجل قوي يا شيخ قناوي، كم لديك من الأبناء والبنات؟".
فأجاب الوالد بأن لديه 9 أبناء و6 بنات. فرد الضابط: "لا حول ولا قوة إلا بالله". فقال قناوي للضابط: "كل ما أريده أن تخبرني صراحة، أنكم قتلتم ولدي". فأجابه الضابط: "البقاء لله".

هذا الموضوع مترجم بتصرف نقلاً عن وكالة أسوشيتد برس الأميركية.

تحميل المزيد