التاريخ مستودع الأحداث السياسية، فكثير من مشكلات العالم اليوم نجد أنها طرحت بالأمس، فقد تتكرر الحادثة التاريخية، مع اختلاف الزمان والمكان والأشخاص، فالتاريخ يمدنا بأكثر من ذلك، إنه يعطينا الأصول الواقعية لمشكلات الوقت الحاضر.
إن المعرفة التاريخية يتعاظم دورها في تحليل الأحداث السياسية والعلاقات الدولية، وهنا يمتزج التاريخ بالنظرية السياسية، فلا تزال الأحداث السياسية هي الأساس المادي في التركيب التاريخي.
فالتاريخ هو المفتاح لمغاليق المشكلات في السياسة، وهو مدخل للقوانين التي تعين على حل تلك المشكلات، فالأحداث التاريخية والعمليات السياسية تتفاعل مع بعضها البعض، وينتج عن هذا التفاعل اتخاذ القرارات المناسبة، وإدارة الأزمات، فعلم السياسة بالنسبة للتاريخ الثقافي له أثره في تحديد نوعية القرارات السياسية المتخذة، ومدى تطبيقها على الواقع.
فيقول جون سيلي: "التاريخ مدرسة السياسة فلا يمكن لأي إنسان أن يعتني عناية معقولة بالعلوم السياسية دون أن يكون له حظ وافر من دراسة العلوم السياسية وقراءة التاريخ، فالتاريخ دراسة مهمة لكل مواطن، بل هو الدراسة الأساسية والخليقة برجال الحكم والتشريع".
ويوضح هرنشو ذلك بقوله: "التاريخ مدرسة لتعليم طريقة البحث، فالتاريخ سياسة الماضي، والسياسة تاريخ الحاضر، والفارق الوحيد بينهما هو أن التاريخ بارد برودة الماضي، والسياسة حارة حرارة الأحداث الجارية، وهو فارق حيوي يجعل للتاريخ اليد العليا في تعليم الحذر واستقلال الرأى، والقدرة على التحليل والاستدلال بالأفعال الظاهرة على البواعث والأفكار الباطنة".
إن العلاقة التفاعلية بين التاريخ والسياسة كأحد أهم أفرع العلوم الاجتماعية والإنسانية، تتجه نحو التقارب إلى الحد الذي لا يتردد فيه البعض من اعتبارهما شيئًا واحدًا، وبمرور الوقت ستنال الدراسات المعنية بالعلوم الاجتماعية نصيبها من الثراء والصقل، كي تكون جديرة بأن يُعوَّل عليها فيما بعد.
ومن الأمثلة على ذلك، ما قام به مؤرخو النازية الألمانية الذين أعادوا صياغة أحداث التاريخ بما يتفق مع أهداف الحركة الوطنية الألمانية التي تزعمها "هتلر".
كذلك في التاريخ المعاصر نرى الممارسات السياسية الإسرائيلية الممنهجة بحق مدينة القدس، من خلال عمليات طمس وتزوير الآثار والمسميات والمعالم التاريخية بها.
وفي التاريخ الإسلامي نجد أن وصول سلالات حاكمة عسكرية من أصول فارسية أو تركية إلى قلب الشرق العربي، في الفترة من القرن العاشر الميلادي، وحتى القرن العشرين، قد خلّف آثاراً بالغة في بنية السلطة والعلاقات الاجتماعية، وفي نظرية السياسة وممارستها، فقد برز تاريخاً جديداً تحت مظلة السياسة، وتمثّل في صورة التاريخ البيروقراطي السلطاني، فالسلطة السياسية غالباً ما تتحكم في كتابة التاريخ، وتُدرّسه وفق ما تريد.
حين تولد السياسة من رحم التاريخ
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.