"أعشق أستاذي في الجامعة، أشعر بانجذاب عاطفي تجاه زميلتي التي تكبرني سناً، أحب مديري في العمل!"..
أمثلة قليلة وغيرها في الحياة من التجارب كثير، يوأد فيها الحب حيث يبدأ قبل أن يتفاعل ويحرقنا أو هكذا نظن، تحت مفاهيم مجتمعية عقيمة صارت حياتنا الكثير من الرياء ووأد الرغبات القليل من تحقيق الآمال المُتطلع إليها!
من هذه المفاهيم وضع إطار لقيم الارتباط الذي يُسمح من خلاله للرجل والمرأة بتتويج ارتباطهما بالزواج وما دون ذلك يكون إخلالاً كبيرًا! المُقلق أن كثيراً مما نظنه من قيم الزواج ما هي إلا تقاليد ورغبات من موروثاتنا أضفناها لتكون تشريعاً مع الدين وقيمة من أُسسه، فصددنا بها القاصدين نحو بناء أُسرة تكون اللبنة الأولى لبناء مجتمعات مثقفة واعية، كاعتبار فارق العمر بي الزوجين مشكلة فعلية تهدد ديمومة الأسرة!
تحت مبررات واهية يحاول من يعتبر الفارق العمري عائقاً تسويق وجهة نظره بأن الأمر سيكون عواقبه عدم التفاهم والاستيعاب بين الزوجين فضلاً عن برود العلاقة الحميمية، وهذا غير صائب لأن التفاهم والاستيعاب والود الذي يُتَوج بالعلاقة الحميمية، ليس لها مقاييس ثابتة، فالعلاقات حالات منفصلة تصاغ كل منها بعوامل تختلف عن الأخرى بقدر ما يستطيع كلا الزوجين توفيره من الاحتواء العاطفي والتفهُّم النفسي للآخر، فمثلاً ارتفاع حالات الطلاق بهذا الشكل المُقلق حسبما تُظهره الإحصاءات في العالم العربي ليس وراءه اتساع الفارق العمري إنما اتساع الهوة الفكرية وانحصار قدرة كل منهما على تفّهم رغبات الآخر والتجاوب مع احتياجاته.
النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- تزوج من خديجة بنت خويلد وهي أكبر منه بخمسة عشر عاماً ولم يحب امرأة كما أحبّها، وتزوج من عائشة بنت أبي بكر وكانت تصغره بأربعين عاماً، فتفّهم حاجتها للمرح وسابقها أمام الصحابة فسبقته مرة وسبقها الحبيب -صلى الله عليه وسلم- في أخرى ليقدم النماذج المتنوعة لأمته عن نضج العلاقة الزوجية ومقاييس نجاحها الثابتة مهما اختلفت الظروف المحيطة.
وما يحزنني أن من يحاولون التقليل من تقديس الفارق العمري كعائق وإعادة إحيائه بين مقاييس الزواج يروّجون لرأيهم على أنه نظرا لظروف الحياة القاسية فإن الرجل في عمر الأربعين فما فوق يكون موسراً مادياً وأقدر على تلبية احتياجات الحياة من الشاب العشريني الذي هو في بداية تأسيس حياته وبناء مستقبله!
وهؤلاء أفرغوا الزواج من روحه وغايته التي يقوم لأجلها وحصروه في الجانب المادي الضيق الذي لا أراه سوى عامل مُساعد لا يستطيع غيابه أن يُغيّب الهناءة والمودة بين الأزواج، وبذلك قدّم هؤلاء قضية فارق السن بين الأزواج على أنها مشكلة فعلية، وإنما التخلي عنها من باب الضرورات تبيح المحظورات لحل القصور المادي في الارتباط وكأنهم أرادوا القول إنه إذا تيسّرت الظروف الاقتصادية كان تجاوز فارق السن في الزواج إخلالاً وشذوذاً بالفعل!
من حق شريحة في المجتمع أن تؤمن بأن فارق العمر المناسب بين الزوجين من 4_7 سنوات ومن حق شريحة أخرى أن ترفع فارق العمر الذي تراه مناسباً إلى 10_ 12 عاماً لاختلاف الثقافات والمعرفة، لكن ليس من حق الشريحتين وغيرهما أن يجعلوا من رأيهما نظرية علمية وأساساً لا يصح الإخلال به في العلاقات!
إن عامل فارق السن في العلاقات الزوجية نسبي يتسع أثره مع غياب التفاهم والانسجام، ويضيق مع النضوج الفكري والقدرة على الاحتواء العاطفي مثله مثل كل العلاقات التي تكون فيها أعمار الزوجين متقاربة، فما هو سوى جزء في منظومة يتمازج فيها الود وتلتقي التطلّعات وتتساوى المعرفة يتم من خلالها -أي هذه المنظومة- بناء أعظم قصص الارتباط الناجحة.
إن الله عز وجل عندما شرع الزواج وامتن به على عباده وضّح أن الغاية من ذلك بأن يكون كل منهما للآخر مودة وسكناً، وهذا لا يتحقق غالباً سوى بالنضوج الفكري والتقارب المعرفي والتقاء الطموح والحيوية، وهذا لا يحدّه مرحلة عمرية فكم من رجل في الخمسينات متجدد بتطلعاته وأهدافه وكم من شاب عشريني قد حصر تجديد حياته في تلبية نزواته حتى بَدَا هرِماً صدِئ العقل..
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.