خير جليس في الزمان كتاب

عدت إلى البيت وصارحت أختي الكبيرة بما حدث فقالت لي بأنني أتخيل وأن الرواية لا علاقة لها بما أفكر به. ولكن أراد الله أن ينتصف لي عندما جاءني أستاذي بعد شهر يقول لي بأن المحاضر في الجامعة حدثهم عن الرواية وشرح لهم بأن نجيب محفوظ تناول قصة الخليقة والرسالات السماوية، كما أن أختي اعترفت بأنها كانت مخطئة بعد عدة أيام من حديث الأستاذ.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/02 الساعة 05:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/02 الساعة 05:10 بتوقيت غرينتش

عندما شاهدت مصطفى الأغا على شاشة الـMBC وهو يحدثنا عن طفولته وشبابه مع القراءة والكتب.. لفت انتباهي أنه لم يستشهد بالمتنبي حين قال: خير جليس في الزمان كتاب..

وكذلك لفت انتباهي أنه نشأ على قراءة مجلات ليس لها علاقة بثقافتنا وحضارتنا بل قراءة كل ما يتعلق بمجلات حول السوبرمان وتان تان وغيرها، كما ذكر أنه كان يقرأ لأغاثا كريستي وقصص أرسين لوبين ثم الروايات الروسية للعمالقة ديستويفسكي وتشيخوف، لم يذكر الأغا رواية واحدة لكاتب عربي ولم يشدني إلى نوعية القصص والروايات التي كان يقرأها.

تذكرتُ طفولتي مع الكتب والقراءة وعادت بي الأيام إلى أول قصة للأطفال قرأتها عندما كنت في الثامنة من عمري وكان عنوانها: "الفارس الأسود"، ما شدني في القصة أنني كنت فخوراً بنفسي لأنني قرأتها كاملة ولأنها كانت تحوي عنصر الغموض والنجاح في آخرها.

مع الأيام بدأت بقراءة القصص والروايات العربية والأجنبية ونشأت في بيت يرى في القراءة والكتب عنصراً مهمًّا لصقل الشخصية ويعتبر الأدب العربي جزءاً من الأدب العالمي، لذلك كنت أقرأ الروايات والقصص العربية والأجنبية من دون تفرقة.

حبي للتاريخ والأساطير بدأ مع جدي رضا الذي كان يدعوني إليه لأقرأ له ملحمة عنترة بن شداد وتغريبة بني هلال وكنت أقرأ له وأنا أحس بالنشوة والفخر وأحاول أن أفهم الأحداث والأفعال البطولية، شاركني أخي يزيد في القراءة لجدي ولأننا اندمجنا كثيراً في القراءة بطريقة الحكواتي فقد قمنا بمحاولة لإضافة نهاية تناسبنا لتغريبة بني هلال وما زالت الصفحات التي أضفناها ملصقة في آخر الكتاب.

بدأت بقراءة كتب التاريخ العربي والإسلامي من خلال سلسلة الناجحين ثم روايات جورجي زيدان، والتي تناولت التاريخ العربي والإسلامي بإسهاب كبير. ساعدتني هذه الروايات التاريخية في حفظ التاريخ ومتابعة أحداثه بشغف وتشوق. حفظت تاريخ العرب قبل الإسلام وبعده، أعجبني أسلوب جورجي زيدان فصرت أبحث عن روايات تاريخية تدمج الخيال بالواقع لتقربنا من التاريخ الذي تعلمناه بطريقة مملة ومتعبة.

وفي إحدى العطل المدرسية عرض علي أحد أبناء صفي أن أبادله البنانير التي معي بكتاب قديم صفحاته بلون أصفر ويظهر بأن الرواية جزء من سلسلة كتب وكان عنوانها: "الأمير حمزة البهلوان"، وكتاب آخر ممزق عنوانه: "الأميرة ذات الهمة"، قبلت الصفقة وأخذت الكتب معي إلى البيت، وبما أننا في عطلة الربيع فقد كان معي الوقت لأقرأ الكتابين وياليتني لم أقرأهما، لقد بدأت أعشق العرب وأبطال العرب وبدأت أعشق الملاحم العربية، وكنت أقرأ هذه الملاحم وأحاول أن أفهم السياق التاريخي لهذه القصص المشوقة.

مع الأيام بدأت بقراءة الروايات التاريخية لميشيل جيفاغو والروايات الروسية لتولوستوي وتشيخوف وديستويفسكي وغيرهم، وفي نفس الوقت بدأت بقراءة روايات يوسف السباعي ونجيب محفوظ وغيرهما، كنت كل الوقت أعتبر أدبنا ورواياتنا جزءاً من الأدب العالمي وكنت أتعامل مع كل الروائيين على أنهم مجموعة واحدة لا فرق بينهم عرقيًّا أو دينيًّا أو حضاريًّا.

ولا أنسى أنني في الصف العاشر كنت أقرأ رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ وخلال قراءة الرواية بدأت أرى قصة الخليقة وقصة الأديان والأنبياء، وعندما أعدت الرواية للمكتبة صارحت أستاذ اللغة العربية بأنني متيقن بأن نجيب محفوظ كاتب عالمي وأن رواية أولاد حارتنا تتناول موضوع الخليقة ونشوء الأديان والرسالات السماوية، بعد سماعي قام الأستاذ بتوبيخي، وقال لي بأنني أُصبت بمس أو أنني لست بكامل قواي العقلية.

عدت إلى البيت وصارحت أختي الكبيرة بما حدث فقالت لي بأنني أتخيل وأن الرواية لا علاقة لها بما أفكر به. ولكن أراد الله أن ينتصف لي عندما جاءني أستاذي بعد شهر يقول لي بأن المحاضر في الجامعة حدثهم عن الرواية وشرح لهم بأن نجيب محفوظ تناول قصة الخليقة والرسالات السماوية، كما أن أختي اعترفت بأنها كانت مخطئة بعد عدة أيام من حديث الأستاذ.

عودة إلى مصطفى الأغا، بما أن محطة الـMBC ينقصها توطيد علاقتها مع المحيط العربي، فإنني لم أستغرب أن يستشهد الأغا بمقولة هاملت: "أكون أو لا أكون"، صعب عليَّ أن أقتبس هذه المقولة ونحن العرب لدينا مقولة الهجرس بن كليب عندما نظر إلى خاله جسام وقال: "وسيفي وغرايره ورمحي ونصليه، لا يترك الرجل قاتل أبيه ينظر إليه"، ثم حمل على خاله جساس فقتله. هذه المقولة كنت أرددها لطلابي العرب واليهود في الجامعة وأشرح لهم معناها وأشدد على أننا العرب سبقنا شكسبير وروايته هاملت في قول أهم ما يعتمل في صدر الهجرس ليحسم أمره.

أتأمل من الـMBC أن تصحح خطأها وتختار لها شخصية أخرى تقرب العرب من عروبتهم وتحببهم بتراثهم وتاريخهم الرائع.
وللحديث بقية..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد