شبك أصابعه بيدها مقسماً بالله أن لا بتركها، صدقته وعاهدته على البقاء كما عاهدها. ويا ليته يدرك قوة إحساسها وصدق مشاعرها وإيمانها الصادق به.
استمرا على العهد مدة بين فرحة وغصة، رغم كل الصعاب ما زال طهر اليدين يشهد تشبتهما.. لم تكن تعلم أن الإيمان به خطيئة، وأن الحب جعلها تظن أن الأشياء الجميلة غير قابلة للزوال يوماً ما.
من شابة جميلة في ريعان الشباب أصبحت خردة في هيئة بشر تعالت منها بقايا العشق.. تبخر العهد وفاحت رائحة النهاية بين القلبين.. أولهما انقلب والثاني من شدة العشق خنق وانغلب. لم يكن ليخبرها أن العهد له مدة صلاحية، وأنه ليس بتلك الصورة التي رسمتها منذ البداية. حاول إقناعها أنه لا يستحقها وأنه ليس أهلاً بها، وما زالت المسكينة من شدة الحر تقنع نفسها وتقنعه أن لا حياة لها من بعده.
تساقطت باكية كصنبور معطل غير صالح للصيانة، قررت بعدها أن ترسو بعيداً عنه ولفظته من أحشائها وصرخت بصوت متعب أن حبهما وعهدهما كان مجرد إشاعة.
كانت هذه زاوية مصغرة لكل قصص الحب العابرة والمعيشة في واقعنا الذي أصبح فيه العبث بالمشاعر والأحاسيس شيئاً مستهلكاً وسهلاً. الروح هبة الرحمن، جميلة وحساسة بطبعها، تفتح ذراعيها لكل إنسان يعدها بالبقاء. غير أن بعض الناس يستغلون طيبتك يتقنون دور البطولة وتستمر أنت بعدها بتصديقهم رغما عنك، فقط لأنك لست بتلك القسوة ولك من الأخلاق والقيم ما يكفي لتلقنهم دروساً في المبادئ، ليسقط الستار بعدها ويعلنونك ضحية الفيلم المفبرك.
أن تترك انثى تتعلق بك، معناه أنك فرشت لها الأرض وردا فقط بكلماتك، وجعلتها من قوة التعلق مؤمنة أن الرجولة أكبر بكثير من كلمة مركبة من بضعة أحرف.
وصف الأنثى بناقصة عقل لا يعني أنها بليدة أو بلهاء، بل بالأحرى أنها كائن مرهف يفكر بقلبه وينصاع لما سمعته أذناه من كلمات عذبة وعبارات الحب، الذي يشكل بالنسبة لها ملاذاً حيث الدفء والعطف والرحمة والألفة. الرجولة والشهامة ليست فقط ثياباً أنيقة، ولا سيارة باهظة الثمن، ولا حتى وضعك لساعة يدوية من أشهر الماركات العالمية، الرجولة أن تصونها كحرصك على صيانة سيارتك تماما، وتحترمها كاحترامك لمواعيدك مع من هم في قائمة أولوياتك.
علاقات اليوم باتت كمنتوج صيني قابل للكسر في أية لحظة، إن لم تحرص على الحفاظ عليه من أي شيء قد يؤدي به إلى الزوال، يضيع بعدها ويُرمى بسلة المهملات أو يعاد تصنيعه.
أصبحنا نشهد عبثا وانقلابا في الموازين، تشوهت فطرة العلاقات وغدونا نمشي في دروب الحياة منهزمين، ضعفاء، غير قادرين على فهم وضعنا وقيمتنا في أية علاقة من العلاقات الاجتماعية، بين أصدقاء يرموننا في وجوهنا وأحباء ينقلبون علينا بعد أن كانوا سنداً لنا وعونا في الضراء، يصبحون رماحاً سوداء مغروسة بالصدر.
مشكلة كل الذين خذلوا أنهم رفعوا من سقف توقعاتهم ولم يتركوا مسافة أمان للتخفيف من آثار الصدمة، رسموا الواقع ألواناً ونسوا أن الحقيقة شيء آخر، بعيداً كل البعد عن كل ما توقعوه من حسن النوايا والظنون، ليصلوا إلى حقيقة مطلقة مفادها أن مسافة الأمان لا تخص فقط مستعملي الطريق وحسب، بل تخص كذلك الراغبين في خلق علاقات إنسانية خالية من ثاني أكسيد الفراق.
إذا اكتشفت أن كل الأبواب موصدة، وأن الرجاء لا أمل فيه، وأن من أحببت يوماً أغلق مفاتيح قلبه، وألقاها في سراديب النّسيان، هنا فقط أقول لك إن كرامتك أهم كثيراً من قلبك المكلوم، حتى وإن غطّت دماؤه سماء هذا الكون الفسيح فلن يفيدك أن تنادي حبيباً لا يسمعك، أو صديقاً باعك ليحقق مصالحه الخاصة، لا جدوى من أن تسكن بيتاً لم يعد يعرفك أحد فيه، وأن تعيش على ذكرى إنسان فرّط فيك بلا سبب.
كل ما يجب عليك فعله بعد قطعك لمشوار في أية علاقة، هي جلسة مطولة مع النفس لاسترجاع طاقتك التي أهدرت مع أشخاص ربما لم يكتب لك أي نقطة تلاق معهم، جدد خلاياك بعدها وعد حساباتك، ولا تنسى ان تخصص جانباً بعقلك لكل الذين ماتوا بعينك، ودعهم في صمت وضعهم في رف علاقاتك المنسي إلى الأبد وتذكر دائماً مهما حييت أن الغرباء باقون.. والأحبة حتما سيرحلون.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.