لا أعرف متى سيأتي اليوم ونحمل الفأس ونهدم كل تلك الأوثان المتكدسة في عقولنا من أفكار نُقشت في أذهاننا وعقولنا وقلوبنا، وجعلت منَّا عبيداً لأصنام تُسْمِنُنا لدرجة الثقلان الذي لا يتزحزح من مكانه لا يمنة ولا يسرة. فقط رؤوس تتحرك كمن بها بوتقة لا ترى إلا المجال القريب من نظرها ولا يتعدى زواياه. فتتخبط وتخبط في كل اتجاه.
ولم أعد أعرف للحقيقة ما هو المقدس في معتقداتنا ومن هو؟ ندعي عبادة خالصة لله عن طريق نبيه محمد -عليه الصلاة والسلام- ولا تقترب عبادتنا من الله أو رسوله مقدار قطرة من تعاليم العبادة.
تحولت عبادتنا إلى تبعية لأئمة ندافع عنهم دفاع المستميت على الحياة. كأن بهم الإسلام يعلو أو يندثر. نقدس ما كتبوه وما قالوه وما أفتوا فيه وكأنهم، هم رسل الله على الأرض مع ادعائنا بالإيمان أنه لا رسول بعد محمد (صلى الله عليه وسلم).
قرأت تعليقات علي مقالي "واقع العرب والمسلمين بين الغزالي وابن تيمية" وإذ بي أشعر وكأني مسست بالذات الإلهية. مجرد ذكر تاريخ العرب والمسلمين يبدو من القداسة في أذهان الكثيرين. مقدساً طاهراً كل ما يشوبه من تدنيس هو مؤامرة هم بريئون منها.
النقاش ممنوع، والجدال كفر، والتفكر زندقة وهرتقة.مجرد القراءة المختلفة عما هو مفروض علينا يُعتبر شذوذاً وخروجاً على القاعدة، يجعل من امرأة "متبرجة" "غير محجبة" مثلي ابنة زنا وعاهرة.
يتكلمون عن الإسلام دفاعاً عن أخلاقه ومحاسنه وبراءة أئمته والتزامهم بتعاليم الله ويقذفون بكل ما أوتي لهم على من لا يناسبهم كلامه. كأن الله والإسلام احتكار وحكر لهم.
فالإسلام والمسلم له وجه محدد بغطاء رأس وعمامة، والمعرفة الإسلامية حكر لكتاب ومصدر ومرجع (لا يشمل القرآن، فالقرآن يتناوله ويفهمه المتخصصون).
ندَّعي على الديانات الأخرى التزوير والتحريف ونحن أمامنا القرآن ولا نجرؤ على الاقتراب منه إلا ترتيلاً وتأكيداً على ما يقوله لنا حفنة من العلماء..
ومهما تعلمتْ وقرأتْ "متبرجة" مثلي فلن يحق لها التكلم حتى عن الدين. فالقرآن لا يمسه إلا المطهرون والحجاب من قواعد الإسلام فتسقط قاعدة الإيمان عني في حالتي، وأصبح ابنة زنا وعاهرة عندما أنطق.
فقراءاتي استشراقية ومدسوسة المصدر، حتى ولو كانت الكتب الأصلية هي مراجعي. دراستي المكثفة في السنوات السابقة بالفلسفة الإسلامية وتخصصي بالإمام الغزالي الذي قرأت ونقحت كل أعماله وناقشتها من منظور معين خاص بالمرأة وكذلك ابن تيمية وابن رشد لا تعطيني حق التكلم عن رأيي، لا تقدم لاستنتاجاتي أي قيمة.
فأي معرفة تناقش فيما أصبح ثوابت من اجتهادات بكل وأحسن أحوالها تحتمل الخطأ كما تحتمل الصواب، مرفوض ومقطوع الحديث فيه.
ولكن، ولأني تربيت تربية إسلامية بها الكثير من الصوامع الفولاذية التي من الصعب إلا الحك فيها، آمنت بصدق بالله وبصدق رسالة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وتلك الطفلة بداخلي لا تزال تجمع حسنات في ميزان ملاكها الأيمن، فإني أتسابق مع أولئك الذين يقومون بـ"قذف المحصنات". فالعُهر في هذا الزمن أصبح شرفاً عندما يصدر من أفواه من يضعون أوسمة الدين على صدورهم. لأن ذنبهم لا بد أكبر عند الله في يوم الحساب. فميزان حسناتي يعلو في خضم القذف والسوء والتبلِّي الجاهل السفيه.
وما زلت أصرُّ كما أصر بداخلي على ذلك الملاك الأيمن والأيسر على أن الإسلام ليس حكراً لرجل دين أو إمام أو مفتٍ . والاجتهاد حق لكل مسلم عاقل بالغ راشد مع أو بدون حجاب.
فلن نرقى بأنفسنا حتى نخلع تلك الأحجبة عن قلوبنا وعقولنا. ونبدأ برؤية العالم بطرق مختلفة ونقرَّ بأننا لن يصلح حالنا، طالما يسيطر علينا ماض مليء بالجهل بريء من الله والرسول.
لن نرقى بأنفسنا الا عندما يتوقف الاختلاف عن كونه عداوة وكفراً وتحقيراً.
فلا أفهم كيف كنا خير أمة أخرجت للناس ونحن فينا الجهل وسام والتطرف طريقة حياة والمختلف شاذ وصوت المرأة عهر وكشف شعرها يجعلها ابنة زنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.