الأمر بسيط.. استسلم لرياح الحياة

لكي تعيش يجب أن تعاني، صوت انكسار ما كنت تؤمن به حتى الأمس مزعج، شعورك بأنك تتجاوز ما تظنه حتى اللحظة أنه صواباً يؤلم، لكن محصلة هذا كله تحقيق الغاية التي خلقنا لأجلها، أنا لا أفهم معنى لوجودي بغير هذه العملية المريرة من التجارب المتوالية بكل أخطائها وجمالها، ليس سعياً إلى مثاليات بل للإنسان الحر فيك.

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/29 الساعة 05:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/29 الساعة 05:17 بتوقيت غرينتش

لكي تعيش عليك أن تعاني "كلما تَمرسْت في الحياة تكتشف أن هذه العبارة حقيقية أكثر مما ينبغي، وفي هذه الحالة طالما لا فرار من بقائك حيًّا عليك أن تبدأ بتقبل الحقائق كما هي، هذا سيساعدك على امتصاص ألمك بصورة أسرع بل وأجدى، أي أن تحوّل هذه الطاقة إلى معنى يتجسد في نضوجك وتجاوبك مع العالم من حولك بشكل أفضل فيزيد رصيد مكتسباتك ويصنع لك مساحتك الخاصة.

في كل تجربة نمر بها، نحن لا نكتشف ذواتنا بل بمعنى أدق نعيد صياغتها من جديد، كلٌّ منا يكتسب في رحلته الطويلة القيم والأنماط وطريقة التفكير في محاولة لتشكيل صورة واضحة عن ذاته والآخر، وما بينهما من علاقات جذب وتنافر، وتبقى هذه الصورة تنمو بنمو الإنسان ذاته.

فعندما تتعرض لتجربة قاسية تؤثر عليك بشكل أو آخر، لكن الأشد خطورة بالنسبة لك أنها تعرض كل ما اكتسبته من منظومة طيلة حياتك للخطر، وأنت تعايش هذه التجربة سترى أنك شخص آخر يفكر ويتصرف بشكل غير اعتيادي بالنسبة لنظامه الداخلي، فيصيبه التوتر والإحباط والشعور بالذنب، ويعجز عن الإجابة عن السؤال الملح وقتها: كيف فعلت ذلك؟ في الحقيقة تصبح المشكلة معقدة كلما قيدت حرية الإنسان، ففي المجتمعات التي تكثر فيها القيود بشكل لا منطقي ويكون الفرد أسيراً لعرف المجتمع وعاداته ومحرماته، وعندما تكون علاقته بالدين ما زالت في شكلها السطحي البدائي الذي لا يتجاوز الحلال والحرام، سنرى تابوهات تمشي على الأرض وسيصرخ في وجهك الجميع إن حاولت انتقادها فما بالك لو فعلت ما يخالف (قدسيتها)!

شعورك بأنك تتحول لشخص آخر لا تعرفه ورغبتك الحرة في أن تتخلص من قيودك تسير جنباً إلى جنب خوفك الفطري من أن تفقد كينونتك، أنت تنضج هذا كل ما في الأمر يبدو هذا توصيفاً بسيطاً لهذه الحالة، ولكن نضوجك هذا بحد ذاته ما يسبب الألم، نعم أليست كل ولادة يرافقها ألم، وكل تحول تتخذه في حياتك ستدفع ضريبته! سؤالنا الخائف: ماذا لو وُلد الجنين مشوهاً؟! ماذا لو مات؟! ماذا لو تعسر خروجه، لحسن الحظ لا إجابات.. إنها التجربة.

نحن لا نتألم من الآخرين، لا نتألم من المواقف، لا نتألم حتى من خساراتنا، لأنه بعد قليل سوف نعتاد عليها، نحن نتألم من شغفنا بالحياة، من رغبتنا العارمة في البقاء والحفاظ على وجودنا الفاني في إطار يسمح لنا أن نقود أنفسنا كأحرار، أو على الأقل نظن أن حريتنا بلا سقف، حرية تطلب لذاتها، حرية مسئوليتها تكمن في حفاظك على إنسانيتك فلا تؤذي غيرك.

في هذا السعي المحموم للتعايش مع هذا الكون، اقبل آدميتك، حقيقة أنك إنسان! بالمناسبة تستطيع أن تغلق بابك عليك، وتسير على خط مستقيم بجانب الحائط، إلى حدٍ بعيد أضمن أنك ستكون بخير أو على الأقل نصيبك من الندبات سيكون الأقل، لكنها المغامرة الإنسانية العظيمة كيف يمكن أن تفوتها!

الماضي أصبح خلفك تماماً لا جدوى من تقليب أوراقك القديمة، الندم ما تعريف الندم: الندم سيأتي لاحقاً لا وقت له الآن، لأنه ضعف وأنت يجب أن تكون قوياً، التجربة: هو الدرس الذي ستتعلمه بعد قليل وحينها ستواجه شعورك بالذنب إذ لا مبرر له، المستقبل: لا أعرفه ولا يعرفني، إذن ماذا هناك؟ اللحظة الحاضرة، اللحظة الحاضرة فحسب!

لكي تعيش يجب أن تعاني، صوت انكسار ما كنت تؤمن به حتى الأمس مزعج، شعورك بأنك تتجاوز ما تظنه حتى اللحظة أنه صواباً يؤلم، لكن محصلة هذا كله تحقيق الغاية التي خلقنا لأجلها، أنا لا أفهم معنى لوجودي بغير هذه العملية المريرة من التجارب المتوالية بكل أخطائها وجمالها، ليس سعياً إلى مثاليات بل للإنسان الحر فيك.

صديقي لا تخَفْ أن تعيش، قال عجوز يوماً ما "الرياح ليست بالشيء المخيف، فقد تعصف بك إلى المكان المناسب".. استسلم لرياح الحياة!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد