ملك ملوك “الرياضيات”!

جلس مدرس الرياضيات فوق الكرسي في زهو كأنه يجلس على عرش مملكته.. ينظر من تحت نظارته الطبية السميكة إلى هؤلاء التلاميذ أمامه في شماتة بالغة تعبر بلا شك عن عقدة نفسية بداخله، وهو يراهم عاجزين عن فك طلاسم تلك الألغاز المعقدة في ورقة أسئلة أشبه بورقة اعتراف بجريمة قتل

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/29 الساعة 03:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/29 الساعة 03:13 بتوقيت غرينتش

جلس مدرس الرياضيات فوق الكرسي في زهو كأنه يجلس على عرش مملكته.. ينظر من تحت نظارته الطبية السميكة إلى هؤلاء التلاميذ أمامه في شماتة بالغة تعبر بلا شك عن عقدة نفسية بداخله، وهو يراهم عاجزين عن فك طلاسم تلك الألغاز المعقدة في ورقة أسئلة أشبه بورقة اعتراف بجريمة قتل اضطر صاحبها للاعتراف بها تحت وطأة التعذيب..

بعد دقائق رفع أحد التلاميذ يده ببطء بهدف الاستفسار عن شيء في ورقة الأسئلة، فما كان من هذا الملك المتوج على عرش الرياضيات سوى أنه مد يده هو الآخر في بطء مماثل نحو عصى غليظة من تلك التي تعد في الدول المتقدمة بل وحتى المتخلفة من أدوات القتل.. على الفور لمح التلميذ المسكين يد هذا الجالس على العرش وهي تمتد نحو آلة التعذيب فتراجع وأنزل يده مستسلماً مما أضفى سعادة بالغة على قلب ملك ملوك الرياضيات ظهرت جليًّا عندما تحول وجهه كله إلى ابتسامه ترتدي نظارة طبية..

لم يهنأ "ملك الرياضيات" بتلك السعادة طويلاً بعدما وجد تلميذاً آخر يتجرأ برفع يده، على الرغم من أن المسكين الصغير جسده كله يرتجف رعباً.. و كما كان في المرة الأولى أمسك بآلة التعذيب ثم قفز من فوق عرشه محدثاً بعض الغبار في المكان واتجه نحو هذا المتمرد الصغير الذي رفع يده يطلب شيئاً ما وهو أمر مرفوض كلياً في قوانين هذا الملك الحاكم لمملكة الرياضيات في المدرسة.. شعر الصغير بالندم عندما شاهد هذا الملك يقترب وأسنانه تكاد تتحطم من الغيظ يتساءل عن سبب رفع يده.. لكن في عناد الصغار وبعد أن تلفظ المسكين بالشهادة مرتين مد يده بورقة الإجابة معلنا انتهاءه من هذا الامتحان.. تلقى ملك الرياضيات صدمة بالغة من جرءة هذا الصغير، بل واعتبر إعلان الصغير بمثابة إهانة بالغة يجب الرد عليها بكل قوة كما لو كانت إعلان حرب..

في ردة فعل ألقى ملك الرياضيات بالورقة على الأرض وصرخ كالمجنون في وجه الصغير واصفاً إياه بالغباء لأن مثل هذا الامتحان يعجز طالب الجامعة عن فك طلاسمه، فكيف بهذا الصغير الذي يظن نفسه آينشتاين.. تلقى الصغير صدمة وكذلك زملاؤه وأصبح كل منهم يتساءل من هو آينشتاين، ولكن مظهر ملك الرياضيات كان كافياً ليجبر الجميع على نسيان آينشتاين والتفكير في كيفية الفرار بحياتهم والعودة سالمين لمنازلهم..

بعد دقائق لم تخلُ من نظرات اللوم نحو آينشتاين الصغير من زملائه لتجرئه على هذه الفعلة بتحديه ملك الرياضيات، هدأ الأخير ومع هدوئه سمع التلاميذ صوت النجاة متمثلاً في جرس انتهاء الحصة.. لم يشأ ملك الرياضيات أن ينصرف دون أن يهدم جزءاً من ثقتهم بأنفسهم فألقى في وجوههم جميعاً سؤالاً استنكاريًّا أشبه بالسباب قائلاً في تهكم "أنتو فاكرين نفسكم بتفهموا؟".

ما زلت أتذكر هذا السؤال الذي لم يكن فقط مدرس الرياضيات يلقيه في وجوهنا بل وللحقيقة كان هناك آخرون يفعلون مثله.. كم كانت ذكرى مريرة تذكرتها عندما فاجأتني طفلتي بحصولها على الدرجة النهائية في الرياضيات، ولكنها لم تكن مثل دهشتي وهي تصف معلمة الرياضيات وكأنها ملاك جميل أتى ليدرّس لهم الرياضيات ثم يعود مرة أخرى إلى حيث كان.. لم ترَ ابنتي ملك الرياضيات ولله الحمد وآمل أن لا تراه على الإطلاق.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد