الخسارة والربح

لقد خلقنا في هذا العالم المترامي لنحقق واجباً وسعادة لذواتنا ولمن حولنا، ودفع قرض ودَين لصالح بنوك الإنسانية، إنها مسؤولية الضمير ومسؤولية أخلاق الضمير، وبها يكون الفوز والربح على الخسارة.. إن شاء الله...

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/28 الساعة 02:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/28 الساعة 02:51 بتوقيت غرينتش

ماذا تعني الخسارة؟.. أن نفقد شيئاً نحبه أو نملكه؟! وما هو الربح؟.. أن نملك ونستحوذ على ما نتمنى وننشد؟!

أن تخسر شخصاً، تخسر شيئاً، تخسر أرضاً، تخسر حبًّا، تخسر بلداً، تخسر مأوى.. كلها خسارات فادحة مرعبة..
هل ممنوع أن يخرج من دفتر يومياتي من أحب، سواء قريباً أو صديقاً أو شريكاً؟ وهل الغياب يعزز ويأكد أهمية من غاب؟ وهل هي أفدح الخسارات؟ أم هناك ما هو أعظم من الإنسان والبشر؟

الوطن.. هو أغلى ما نملك، وأشرف ما ننتمي إلى هذه الحياة، ولكي تنتمي لوطن لا بد من الربح.. وبالتالي لا يمكن أن نوافق على ظلم.. من الظلم يأتي اختلال الربح والخسارة، لكن من الخسارة يكون احتلال التقاعس عن درأ الظلم..

هناك من يخسر دينه! ومن يخسر عافيته.. وهناك ومن يخسر ماله! ومن يخسر فلذة كبده.. وهناك من يخسر أرضه وبيته، وكرامته.. ولكن أيهم أكثر فجاعة من كل ذلك؟ وكيف نتقبل الخسارة وندمغها بتقبل ما لنغوص في مسيرة الحياة؟

حين ينتهي رصيد إيمانك وليس رصيد محمولك، فحتماً أنت الخاسر لأنه الضياع.. وعند انتهاء حسابك الجاري من عافية في البدن والجسد فأنت الهالك؛ لأنه المرض، والصحة هي تاج الربح.. ولكن نفاذ امتدادك من الولد.. والأرض.. والوطن.. هو الموت الزؤام لأنه امتداد الخسارة في الروح والحياة والنفس.. وتلك هي أفدح الخسارات..

الواقع البائس تتهاوى تحت أقدامه كل الأيدلوجيات والأفكار النيرة وهذه أيضاً خسارة. تكون مؤمناً بفكرة ما وتتمني تطبيقها على أرض الواقع لتصدمك ما تحاكى من قصص العجز والبؤس التي تثنيك عن تحقيق ما ترنو إليه. إذن ما العمل لتكون رابحاً بدل الخسارة، لتكون حاضراً بدل الغياب لتكون إنساناً واعياً بدل الانزواء والتهميش.. بالعمل.. بالعلم.. بالتصميم.. بالحراك.. بالوعي.. بالجرأة.. بالشجاعة.. بتكميل البداية للوصول إلى غاية الهدف المرسوم للنهاية.

مثلاً، أنا أكتب لأبحث عن حقيقة وجوديه قد تقمع وتدمر بفعل بؤس وحماقات.. أكتب لأمارس شغفاً أجد به ذاتي.. وكياني وأعبر بها عن خلجات في مكنونات نفسي.. وأنت، تدرس لتكون مثقفاً محققاً لأحلامك وأمانيك لتتشكل جملة مفيدة من حروف وأرقام وكلمات.. للشخصية.. للمهنة.. للذات..

وهو يحارب ويسجن ويستشهد لأجل قضية سامية تعيد لأبناء وطنه العزة والكرامة والمجد.. للبقاء.. للمصير.. للسلام..
هو واعٍ مدرك لقضايا الوطن.. هو يربح حبًّا للوطن، وما أجمله من حب وما أسماه من عشق..

وهذه أشرف وأربح المعارك رغم الخسارات.. فنحن لا نمتحن قوتنا، إلا إذا وجدنا في موقف قوة..

ولكن لو أتقنا لعبة الربح والخسارة ووعيناها، فستكون حتماً الفائزين في سوق الحياة.. بشرط أن لا أدع النجاح يسلب عقلي عند الربح.. والفشل يأكل قلبي، عند الخسارة.

كانت موفورة الجيب، فالمال وفير حتى قطبت الحياة جبينها معها، وأصبحت حياتها قي حالة من الخسران، لضنك العيش وضيق ذات اليد.. ما العمل؟ لا بد من التجرأ على الخسارة والتعود على الخروج من منطقة الأمان بالعمل بتحديد هدف جديد، وتقبل بأن أفضل خبرات الحياةهي "يوم لك ويوم عليك".. وليس البكاء على الأطلال والتقريع للغير..

كان يتنعم بالصحة والعافية حتى داهمته العلة وصارعه المرض.. أيستكين لخسارته؟ أم يناكفه ليفوز عليه بعلاج الأمل والصبر والإرادة بالشفاء..
ما أريد قوله بأن لا شيء يبقى كما هو ولا يمكننا تغيير ما حصل بالرفض والإنكار.. بل بالعمل الدؤوب لرؤية ومضات الجمال في حياتنا والتغاضي عن الفشل بالتعلم من درسه بالاجتهاد ثانية، ومصاحبة مع من يجعلك تبتسم ومع من تكون أنت سبباً في إدخال بسمة لمن يحتاجها، وأما من يجعلك مضطرًّا لإبهاره ومحاكاته، فقلل منهم، بل واستغن عنهم.. لا أحد يستطيع إعادة تشكيل الماضي على هواه، ولكن كل منا يستطيع بدء يوم جديد للوصول إلى نهاية مبهرة..

أخيراً استمرار الحال من المحال.. واستبدال الانكسارات والآلام.. والاعوجاجات، والمعاناة بنجاحات، وإيجابيات يكون بالاقتباس من رسلنا المباركين، والاستماع إلى آيات من قرآننا الكريم.. ومرافقة صديق صدوق.. أو بإبداع عمل فني أو بتعلم شيء جديد كلها كفيلة بتحويل الهموم والخسارات إلى أرباح، والهزائم إلى انتصارات وإنجازات تعيد التوازن في سلم النجاحات..

لقد خلقنا في هذا العالم المترامي لنحقق واجباً وسعادة لذواتنا ولمن حولنا، ودفع قرض ودَين لصالح بنوك الإنسانية، إنها مسؤولية الضمير ومسؤولية أخلاق الضمير، وبها يكون الفوز والربح على الخسارة.. إن شاء الله…

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد