فيما مضى كنت أشكك في مصداقية أخبار تفكيك الخلايا الإرهابية، وما زاد في حدة هذا الشك اعتراف السلطات بوقوع خروقات وتجاوزات في اعتقالات ما بعد تفجيرات 16 مايو/أيار 2003، لكن قدري بأن أعيش في حي شعبي يضم بين ثناياه مختلف التيارات الإسلامية من أقصى المتشددين إلى أقصى "المتراخين"، جعلني مؤمناً بأن الإرهاب بات خطراً يهدد المغاربة في أمنهم وسلامتهم بحكم التغيرات التي يعرفها العالم ككل، وبفعل احتكاك وتأثر بعض المغاربة بمدارس دينية ومذهبية وفكرية متعددة، ولا نفتري على أحد هنا، فمجرد نقاش بسيط مع "متشددين" في الأحياء الشعبية في ضواحي العاصمة المغربية أو في هوامش المدن الكبرى أو في غيرها ستدرك منه مدى تشبع هؤلاء -المتشددين- بأفكار ما أنزل الله بها من سلطان، ولولا خوف هؤلاء وتخوفهم من اعتقالات قد تهوي بهم لسنوات في غياهب السجون لطبقوا "شرعتهم" بحد السيف على البسطاء والضعفاء ولعاثوا في الأرض فساداً باسم الدين وتحت رايات يتوهم أصحابها أنها رايات تمثل الإسلام والمسلمين.
من المعلوم أن أي إنسان مريض سواء أكان هذا المرض عضويًّا أو نفسيًّا أو عقليًّا يعرض على الجهة الطبية التي تقوم بفحصه ومن ثم يوصف العلاج الضروري لحالته، ومن المعلوم أيضاً أن الإنسان المتطرف الذي تشدد في الدين وتعامل مع أحكام الجهاد تعاملاً سطحيًّا دون بذل أي اجتهاد قد يساعده على فهم هذا الدين بالطريقة الصحيحة هو إنسان مريض فكريًّا وجب عرضه على أهل الاختصاص من العلم الشرعي ليزيلوا عنه غشاوة الجهل المركب لقناعاته الفكرية، وليبينوا له سوداوية الأفكار التي يحملها، وليردوا عليه بالدليل والبينة أخطاء المدرسة التي ينتمي إليها وزلات الأساتذة الذين تتلمذ على أيديهم، وليصفوا له مما يقنع العقل وتطيب له النفس وترضاه الشريعة السمحاء بعد دراسة مستفيضة لواقعه ومحيطه المعيشي فكراً بديلاً لفكره حتى يعود ذلك الإنسان الذي ولد على الفطرة السوية السليمة.
ولعل من الأخطاء التي وقعت فيها السلطات المغربية في تعاملها مع ملف الارهاب هو اعتمادها على المقاربة الأمنية دون سواها كحل وحيد لمجابهة هذا الخطر، مقاربة اختزلت علاج الفكر الديني المتطرف بسجنه خلف قضبان حديدية، وجمعت في سلة واحدة من تلطخت يداه بدم الأبرياء -في داخل الوطن أو خارجه- ومن تلطخت أفكاره بمفردات الغلو ومفاهيم التشدد، وآثرت استخدام منطق القوة والعنف المضاد مع الجميع وبدون تمييز أوتصنيف بين درجات التشدد والغلو، واستبعدت منطق العقل الداعي لمقارعة الفكر بالفكر، وإخضاع من رضعوا سم التطرف الديني لتراجعات فكرية تسهم في بلورة فكر وسطي معتدل في المستقبل يستفيد منه الجميع .
إن اعتماد المقاربة الأمنية والتركيز على شن حملات من الاعتقالات والمداهمات ونهج سياسة "الضربات الاستباقية للإرهابيين" أمور تبقى كمسكنات للألم فقط ولن ترقى للحل الجذري للإرهاب ما لم يتم اعتماد مقاربة شمولية لهذا الملف تنفذ إلى عمق الظاهرة للبحث عن أسبابها ودوافعها وتجلياتها على أرض الواقع ومن ثم تفصل الحلول المناسبة لها بما يتوافق مع المواثيق الحقوقية الدولية والمحلية للخروج بالوطن سالما غانما دون ضرر أو ضرار.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.