دخل اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا السبت 27 فبراير/شباط 2016، حيز التنفيذ بعد مفاوضات روسية أميركية، ورغم أن الآمال غير كبيرة في تنفيذ الهدنة بشكل كامل، إلا أنه في حال عدم خرقها، ستكون تلك خطوة مهمة في الحرب السورية.
حيث ستكون المرة الأولى التي تنجح فيها الدبلوماسية الغربية في وقف عمليات القتل والمعاناة التي يعيشها السوريون، والتي أدت حتى الآن إلى مقتل 250 ألف شخص، كما تركت ملايين اللاجئين مشتتين في دول العالم بلا مأوى، وفقاً لما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
مَنِ المستفيد؟
وكأي شيء آخر في تلك الحرب الدامية، لم يكن وقف إطلاق النار في سوريا بالمجان على الإطلاق، على الأقل بالنسبة للرئيس الأميركي باراك أوباما. إذ تعتقد تقارير مسئولي المخابرات في أوروبا وإسرائيل –وليس في أميركا- أن النتيجة المستقبلية لوقف إطلاق النار الحالي ستكون تعزيز سيطرة بشار الأسد على سوريا في السنوات القادمة.
الأهم من ذلك أنه في حال ثبوت صحة هذا الأمر، فسيؤدي ذلك أيضاً إلى تجميد عملية تقسيم البلاد التي تبدو مقسمة بالفعل حالياً، فالهدف الغربي المعلن من تلك الحرب هو الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
قرار الهدنة الذي بدأ تطبيقه منتصف ليل أمس، الجمعة، حمل اسم "وقف الأعمال العدائية"، وهو أول نتيجة حقيقية للجهود الدبلوماسية التي بذلها جون كيري وزير الخارجية الأميركي منذ الصيف الماضي بعد الاتفاق النووي التاريخي مع إيران.
الاتفاق أو تدمير سوريا
ففي خطاب ألقاه في الكونغرس هذا الأسبوع، ذكر كيري أن كثرة اللاعبين في تلك الحرب (سلاح الجو الروسي، والقوات الإيرانية على الأرض وقوات المعارضة المسلحة بالإضافة إلى قوات الأسد) تجعل من الأمر صعباً للغاية، حيث قال "أنا أعلم ذلك، ربما إن لم ينجح ذلك الاتفاق، فسينتهي الأمر بتدمير سوريا بشكل كامل".
كما أضاف "ينبغي علينا أن نبحث ونستخدم كل الطرق الدبلوماسية الممكنة". وقال كيري في الوقت نفسه إن البيت الأبيض كان جاهزاً بخطة بديلة في حال فشل تلك المفاوضات، وهي عبارة عن خيارات عسكرية مختلفة يبدو أن أوباما يرفضها حتى الآن وفق تصريحات المسئولين الرسميين.
مكاسب اللحظات الأخيرة
على الجانب الآخر، احتدم القتال أمس الجمعة بين كل الأطراف، أملاً في الحصول على مكاسب أخيرة قبل وقف إطلاق النار، حيث تم إسقاط عشرات البراميل المتفجرة واستخدام الكثير من الذخائر في ضواحي العاصمة السورية دمشق، حتى في مدينة داريا التي لا ينتمي المقاتلون فيها إلى جبهة النصرة أو تنظيم الدولة الإسلامية، وهما التنظيمان اللذان تم استثناؤهما من وقف إطلاق النار؛ نظراً لتصنيفهما من الأمم المتحدة كمنظمات إرهابية، حيث قالت الحكومة السورية إن داريا ليست جزءاً من الهدنة المعلنة، ما قد يعني استمرار الهجمات عليها حتى مع وقف إطلاق النار.
خرق الهدنة
في الوقت الذي وافقت فيه أغلب التنظيمات والمجموعات المعارضة لحكومة الأسد على اتفاق وقف إطلاق النار، لكن أغلبها أعلنت أنها حال تعرضت للهجوم من قبل الطيران الروسي وطائرات النظام –حتى وإن كانت الهجمات تستهدف تنظيم الدولة الإسلامية أو جبهة النصرة بالأساس- فإنهم سيثأرون مباشرةً.
فيليب غوردون، أحد أهم مستشاري الرئيس الأميركي باراك أوباما لشئون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي يقول: "لا نعقد الكثير من الآمال على هذا الاتفاق، لأن هناك من سيقومون بخرقه من الجانبين، فهناك مجموعات معارضة لن تلتزم بوقف إطلاق النار، وكذلك لا يمكننا الثقة في الروس وفي تقليص عملياتهم العسكرية ضد مجموعات بعينها".
إلا أن غوردون يعتقد أيضاً أن هناك نقلة كبيرة وتغيراً في المشهد، حيث يقول "على مدار 5 سنوات، كانت مجموعات المعارضة وممثلوها يصرون على أنه لا يمكنهم الاتفاق على وقف إطلاق النار سوى برحيل الأسد أولاً"، وأضاف أن الوضع قد تغير حالياً.
الاتفاق يحيي مستقبل الأسد
يبقى الأمر المثير للجدل حالياً هو مدى تأثير هذا الاتفاق على مستقبل الأسد، وكيف سيؤثر وقف إطلاق النار على استمراره في الرئاسة، حيث كان الكثيرون قد توقعوا الإطاحة به في نهاية 2015 مع ترنح قواته بشدة، إلا أن الدعم الروسي والإيراني قلب الطاولة بشكل كامل، وما يحدث الآن هو أكبر دليل على ذلك، حتى أن إدارة أوباما تخلت عن شرطها السابق المطالب برحيل الأسد أولاً كجزء من أي حل سياسي.
وما زال أوباما حتى الآن يشدد على ضرور رحيل الأسد، وخلال الاجتماع الأخير لمجلس الأمن القومي، شدد من جديد على أن بشار الأسد لا يمكن أن يكون جزءاً من مستقبل سوريا، وأضاف "من الواضح أنه بعد كل تلك السنوات من الحرب ضد شعبه، بما فيها الكثير من التعذيب واستخدام البراميل المتفجرة والحصار والتجويع، لن يتوقف الكثير من السوريين عن محاربة الأسد حتى يسقط". كما استكمل حديثه قائلاً "لا بديل عن حكم انتقالي بعيداً عن الأسد".
الحديث في الأمم المتحدة يوم الجمعة تضمن أيضاً القول بأن وقف إطلاق النار –على الرغم من كونه إيجابياً- إلا أنه أعطى الفرصة لروسيا للحفاظ على المكاسب التي حققتها بالتعاون مع القوات الإيرانية وقوات الأسد، بما في ذلك التقدم الملحوظ في حلب.
شرارة تقسيم البلاد
في الوقت ذاته، أعلن غوردون مستشار أوباما تخوفه من أن يتحول وقف إطلاق النار إلى شرارة تقسيم البلاد، حيث تسيطر كل مجموعة عرقية على مناطق بعينها حالياً، وهو ما يقلق إسرائيل التي ترى في التحالف الروسي الإيراني مع النظام السوريا خطراً على حدودها، حيث يدعم هذا التحالف أيضاً حزب الله المعارض لإسرائيل.
المسئولون الأوروبيون والإسرائيليون يرون أن وقف إطلاق النار يعطي للأسد فرصة السيطرة التامة على المدن الرئيسية مثل دمشق وحمص وحلب، حيث استطاع السيطرة على نقاط مهمة في تلك المدن مؤخراً بدعم روسي إيراني، كما بدأ في الانتصار على بعض مجموعات المعارضة السنية المدعومة من أميركا ومن دول عربية أخرى، في الوقت الذي سمح فيه للكرد بالسيطرة على شمال البلاد.
أما جون كيربي، الناطق باسم الخارجية الأميركية، قال إنه لا يعتقد أن الاتفاق الحالي قد يسهم في تقسيم البلاد، وأضاف "يجب عليك أن تنظر في النصوص والاتفاقات، فجميع الوثائق تتضمن تعهداً كاملاً بوحدة الأراضي السورية، وتعلمون جميعاً أننا تعهدنا بقوة بالحفاظ على هذه الوحدة من قبل؛ لأن هذا ما وقَّعت عليه كل الأطراف المتصارعة".
واشنطن تراه اتفاقاً مؤقتاً
على الجانب الآخر، قال مسؤول بارز في الإدارة الأميركية، رفض الكشف عن اسمه، أن المداولات التي تحدث داخل البيت الأبيض ترى أن الاتفاق الحالي هو اتفاق مؤقت، وأنه ربما يكون خطوة لبدء المفاوضات حول حل سياسي، ثم قال متسائلاً "ما هو البديل عن ذلك؟".
السؤال الذي يطرح نفسه أيضاً هو ما إذا كان وقف إطلاق النار هو غاية أم وسيلة قد تقود في النهاية إلى ما أراده كيري من خلال مفاوضات فيينا، وهو بدء مفاوضات حقيقية تتضمن الدول المجاورة لسوريا.
الجمعة الماضية، قال ستافان دي ميستورا، المبعوث الأممي إلى سوريا، إنه يأمل أن يسمح وقف إطلاق النار للمناطق المحاصرة منذ عدة أشهر بالحصول على الطعام والدواء، كما أنه يأمل أن يمهد الطريق لمواصلة التفاوض السياسي في 7 مارس/آذار المقبل قائلاً "نحن أمام مفترق طرق حقيقي لإنهاء القتل والدمار وبدء حياة جديدة تحمل الأمل للسوريين".
ربما تبدو تلك النظرة تفاؤلية للغاية، إلا أن النظرة الأكثر تشاؤماً كانت ما يراه السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة، فرانسوا ديلاتر، والذي وصف وقف إطلاق النار بـ"ستار من الدخان يعطي الفرصة لشخص ما لسحق المعارضة والمدنيين".
– هذه المادة مترجمة من صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، للاطلاع على النسخة الأصلية يرجى الضغط هنا.