لماذا تحزن؟!

أضعف الإيمان أن تزرع داخلك فكرةً مفادها أن كنوز الأرض العامرة إن كانت ملك يديك وأنت ضيق الروح مشغول الفكر، لا تعادل لحظةً تقضيها في أضيق البقاع مرتاح البال مشروح الصدر لا يقوى على زعزعة إيمانك وإرادتك صنديد، فلماذا تحزن؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/26 الساعة 01:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/26 الساعة 01:41 بتوقيت غرينتش

تقتضي الطبيعة البشرية أن يولد الإنسان على فطرته الأولى مع نظرةٍ متساويةٍ للمفاهيم الكبيرة في الحياة، مثل السعادة والحزن والحب والفرح، فلا فرق بين طفلٍ يحبو على بلاط ملكي وحوله الخدم من جميع الألوان، وطفل عاري القدمين في المناطق النائية إذا ما تبسمتَ في وجهه وقمت بلفت نظره بحركات بلهاء تفتعلها لتضحكه، كلاهما سيشعر بالفرح وينهال بالضحك الهيستيري دون تميز للمحيط والأشخاص والظروف.

وبعد العمر الوردي، يبدأ الإنسان بتلقي معارفه الأساسية في الحياة، ليدرك عندها أن العدالة في الأرض قضيةٌ نسبية لا يمكن إضفاؤها على جميع المعادلات والمواقف، والمساواة أمرٌ مشكوكٌ فيه لن يحصل المرء عليه إلا بعد انتهاء دوره في الأرض وارتقائه إلى السماء لُيحاسب حساباً عسيراً عما اقترفتْه يداه وجاد به لسانه، أو يُوضع في صف الأوائل الأخيار الذين عملوا جهدهم ليكون الكوكب تربةً حسنةً يُعطى فيها كلُ ذي حقٍ حقه.

من الصعب استيعاب النسق الذي تجري فيه الحياة، خاصة في لحظات الضعف والقهر، فكم من إنسان ذاق وبال أمره في موقفٍ لا يُحسد عليه، وكم من مظلومٍ شَطره غريبٍ بقسوته فوقع البلاء على رؤوس المساكين، وكم من شعوبٍ قاست الموت لذروته، والعنف في أوْجِه وهي تنادي باسم الحرية، لتعود رماحاً في نحورها أصداءُ حكامها المستبديين.

وإذا حاول الفرد تخطي عتبة الفهم والالتفاف حول جميع الحقائق الطبيعية والمؤلمة في الحياة، لعاش عمره منكداً تعيساً غير قادرٍ على التأقلم مع بشريته المتقلبة وتفاوت كفتي ميزان العدل بين ما يراه مثاليًّا وبين الواقع فعليًّا، عندها سيدخل طواعية بوابة الاكتئاب اللعين، وجعل للحزن سيطرةً على عقله ومشاعره، وتحولت حياته إلى أيامٍ سوداء تملأها الظُلمة وتشوه تفاصيلها الخمول والحسرة.

لكن.. لماذا تحزن إذا أيقنت أن نصيبك من الدنيا لن يأخذه غيرك مهما علا مقداره وارتفع شأنه، فما كان لك لن يُخطئك، وما كُتب لغيرك لن يعرف الطريق إليك مطلقاً.

لماذا تحزن إذا أيقنت أن لكل مجتهدٍ نصيباً ينتظره في الوقت والمكان المناسبين، والوصول إليهما يتطلب الصبر ومغالبة النفس وهواها، والعمل الدؤوب حتى يبلغ الأمل منتهاه، ويصل الحلم إلى ما تصبو إليه.

لماذا تحزن إذا تذكرت أنك إنسانٌ في خَلقك، تسعى في الدنيا لنيل درجات العيش الكريم، وإن أجهدت نفسك بالكفاح والعمل وحُب الظهور والكِبر، فلن تبلغ الجبال طولاً، ولن تحصل إلا على القوت الذي كُتب في ميزانك منذ نشأتك منيًّا رطباً.

لماذا تحزن إذا اطمأننتَ أن الدنيا دارُ اختبار، ومهما كان دينك ومذهبك في الحياة، فبعد عُمرٍ مكتوب ستعود جسداً بارداً تطوق ذرات التراب إلى أكله، وتنتظر الروح حسابها عند بارئها مَن لا يضيع عنده مثقالُ ذرة، ولا أدنى من ذلك..

وإن أغلقت الحياة طُرقها في وجهك، وضاق عليك الأمل رغم اتساعه، تخيل لو أنك تملك قصوراً فارهة، وبيوتاً بعدد حبات الرمل، وسياراتٍ لم تحصِها لكثرتها، وأموالاً تعجز النيران عن ابتلاعها، هل تستطيع أن تجمع بينها جميعاً في وقتٍ واحد؟

حتماً استحالة، فلن تقدر على المكوث إلا في مكانٍ واحد وإن كثُرت العقارات، ولن تركب إلا سيارةً واحدةً وإن تعددت المراكب، ولن تتواجد إلا في دولةٍ محددة حتى وإن كانت دول القارة كلها متاحة، فالعصا السحرية ليست بيد أحد، والفردية في الزمان والمكان سمةٌ لا فرار منها..

أضعف الإيمان أن تزرع داخلك فكرةً مفادها أن كنوز الأرض العامرة إن كانت ملك يديك وأنت ضيق الروح مشغول الفكر، لا تعادل لحظةً تقضيها في أضيق البقاع مرتاح البال مشروح الصدر لا يقوى على زعزعة إيمانك وإرادتك صنديد، فلماذا تحزن؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد