عن الكتابة والأسئلة والدهشة!

الأسئلة الكبيرة تحتاج إلى إجابات مماثلة لكنها دائماً لا تأتي الآن، والكتابة بحد ذاتها شكل من أشكال الاستفهام واستكشاف الواقع، أكتب لكي لا أفقد دهشة الأطفال، لكي لا أنمط، لكي لا أصبح مجرد شخص عادي!

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/22 الساعة 03:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/22 الساعة 03:59 بتوقيت غرينتش

ينصحني صديقي أن أجرب الكتابة، يقول بأن قلمي جيد ولدي شيء أقوله، لم أقتنع بالفكرة وكنت أقرر دائماً "لن أفرض على نفسي قيد الكتابة وسأكتب عندما أشعر فقط بحاجتي لذلك" -أي رهن مزاجيتي وهواي الشخصي- لكني أشعر الآن بحاجة ماسة لأكتب بعد اكتشافي العظيم..

إنك لن تنضج أبداً ودائماً ستكون هناك خطوة تالية لذلك ابدأ من الآن وفوراً، وعليه بقلمي هذا المتواضع وبتجربتي هذه البكر سأقول ما يدور في خاطري بلا تكلف علَّ ما لدي يلقى ترحاباً منك وسأكون ممتنة لذلك وإن لم يجد يكفي أني ألقيت حملاً ثقيلاً عن كاهلي.

مبدئياً، لكي تكتب عليك أن تمسك بفكرة ما من أطرافها وتُشَرّحها لي حتى أهضمها على مهل، والفكرة الحاضرة الآن ذلك السؤال الذي يتكرر ككلاشيه باهت اللون "من أنا؟ وماذا أفعل على هذه الأرض؟"، من سذاجة التساؤل قد نصاب بالغثيان لفرط ما طرح ولكن فعليًّا لم يصل أي منا لإجابة شافية، ولو كان ذلك لما أعيد طرحه بنفس الحدة كل مرة نقف فيها أمام أنفسنا في لحظة صدق عارية!

منذ بدأت أدرك ذاتي ككائن منفصل عن المحيط المتحرك الذي أعيش فيه، وأن كينونتي المختلفة تفرض عليّ أعباءً أخرى، وهذا السؤال لا يفارق مخيلتي قد تخف حدته من وقت لآخر لكنه حاضر على الدوام، ومعه أيضاً كل القوالب الجاهزة والأجوبة المنمطة التي تلقفتها كما يتلقف طائر طعامه الصباحي! لأصدقكم القول نحتاج لأن نتبع بصمت وبلا كثير وعي ما يُلقى على آذاننا، إنه مريح نوعاً ما أن يتولى أحد التفكير عنا لكنه الوهم اللذيذ الذي غرق فيه الكثيرون دون أدنى شعور بالألم أو الغصة، وقلة من يحاولون مراراً أن يتكيفوا مع مربع العادية -أي ما يقرر سلفاً لهم- لكنهم كلما وصلوا إلى حدود هذا المربع اكتشفوا كم هو ضيق المساحة فقرروا أن يقفزوا على الناحية الأخرى.. أي الفراغ! وأقل من القليل هم من يصلون..
ربما يصلون.

سأدعي أني من هؤلاء العالقين في المنتصف فقد حاولت كثيراً أن أتأقلم مع كل الأجوبة الجاهزة -التيك أواي- لكني لم أستسيغ طعمها وبالمقابل لم أجد وصفتي الخاصة حتى اللحظة.. إذن لماذا أكتب؟ أذكر أن رجلاً حكيماً قال لي مرة "لا تبحثي عن الأجوبة الآن، ستأتي لاحقاً.. لكن إياكِ أن تتوقفي عن الأسئلة"، نعم الأسئلة الكبيرة تحتاج إلى إجابات مماثلة لكنها دائماً لا تأتي الآن، والكتابة بحد ذاتها شكل من أشكال الاستفهام واستكشاف الواقع، أكتب لكي لا أفقد دهشة الأطفال، لكي لا أنمط، لكي لا أصبح مجرد شخص عادي!

البحث عن الحقيقة وعن معاني الأشياء مهمة شاقة تستنزفك حتى الرمق الأخير، لكنها كولادة مستعجلة لابد منها ولكي لا يخرج الجنين مشوهاً يجب أن تدفع ضريبة ذلك، أؤمن بأن لا أحد يصل إلى الحقيقة الكاملة، هو وصول نسبي فكلنا يدعي أنه يملك الحقيقة في حين أن الحقيقة أكبر من أن يملكها شخص أو أمة أو عصر من العصور، هذا البحث ليس من أجل الترف بل هو التجلي الأكبر لإنسانيتنا، بإمكانك الآن أن تقرر أن تقبل الأشياء كما، أو تعرضها على عقلك فتستبين أوجه الصواب والخطأ فيها، فتقبلها أو ترفضها! هذا ليس بالسهل اليسير ولكنه الموت الذي لا بد منه..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد