في صباح أحد الأيام، قامت قوات كبيرة من رجال الشرطة المدججين بالسلاح بالانتشار في جميع أنحاء مدينة شيركسك شمال منطقة القوقاز الروسية، لم تكن خطواتهم مستقيمة، فقد اتخذوا طرقاً متعرجة لتجنب السير وسط القمامة المنتشرة على جوانب الطريق، بالإضافة إلى الحفر الممتلئة بالماء وسط الكثير من الطرق المقطوعة بالأساس.
قامت قوات الشرطة المحلية ووحدات مكافحة الإرهاب الفيدرالية بتعزيز مواقعها في المنطقة بالكامل، بعد أن قامت مجموعات "إرهابية" على صلة بتنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش) باستهداف بعض الطرق الفيدرالية، وقاموا بقتل بعض المسؤولين والسياح وتبنوا تلك العمليات بشكل رسمي، بحسب تقرير لصحيفة ذا ديلي بيست.
غياب الأمن في شمال القوقاز
في شمال القوقاز، يبلغ عدد السكان 9.7 مليون نسمة، حيث يفترض بالمنطقة أن تشتهر بجمال الطبيعة وبقمم الثلج فوق المرتفعات المنتشرة بالمنطقة، بالإضافة إلى المنتجعات الصحية المبنية حول ينابيع المياه المعدنية، إلا إن المنطقة أصبحت تشتهر حالياً بانعدام الأمن وبوجود مجموعات تابعة للدولة الإسلامية، حيث ينضم إلى تلك المجموعات أعضاء من خارج البلاد أيضاً.
بالنسبة للكثير من الشباب في تلك المنطقة، فقد كان ما يعرضه داعش مغرياً، فتلك الحياة التي تمتلئ بأحداث الإثارة داخل التنظيم هي أفضل بالنسبة لهم من المعاناة من الفقر والبطالة المنتشرة بصورة كبيرة.
إحدى السيدات من كبار السن، تقف مرتدية بعض الثياب القديمة وتقوم بتنظيف الشارع أمام أحد المساجد القديمة طلبت عدم تصوير "قذارة وفقر المدينة"، حيث ترى أن ما تمر به المدينة حالياً هو عار حقيقي.
الهجمات تعود من جديد
العام الماضي، بدأت السلطات الروسية في الانتصار في حربها ضد "الإرهاب"، حيث انخفضت أعداد تلك الهجمات لأقل من النصف، فمن 525 هجوم في عام 2014، وصل العدد إلى 258 في عام 2015، إلا إنه في يونيو الماضي، أعلن أبو محمد العدناني، وهو قيادي بارز في تنظيم "الدولة الإسلامية"، تأسيس ولاية القوقاز كأحد فروع التنظيم، ما أدى بالتبعية إلى زيادة الهجمات من جديد بالإضافة إلى تنفيذ مجموعة من عمليات القتل والعمليات الانتحارية.
يوم الاثنين الماضي، واجهت جمهورية داغستان المجاورة هجوماً صادماً، ويعد الهجوم الثالث خلال 6 أسابيع فقط، حيث قام انتحاري بتفجير سيارة مفخخة في إحدى النقاط التابعة للشرطة ما أدى إلى مقتل اثنين وإصابة أكثر من عشرة من أفراد الشرطة، وفي الوقت الذي أعلنت فيه داعش مسئوليتها عن الحادث، أذاعت وسائل إعلام روسية تقارير تفيد بأن العملية قامت بها مجموعة تابعة لرجل يدعى أبدتين خاماجوميدوف.
كان تنظيم داعش قد تبنى سابقاً هجوماً استهدف مجموعة من السياح في قلعة نارين كالا في ديربنت (إحدى محميات اليونيسكو للتراث) في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حيث قام المعتدون بإطلاق النار من ثلاث جهات مختلفة، مما أدى إلى مقتل شخص وإصابة 11 آخرين، فيما رصدت الشرطة فيما بعد إطلاق 67 رصاصة خلال الهجوم.
مخطط للهجوم على المدن الكبرى
ولا يبدو أن تنظيم داعش يستهدف فقط منطقة شمال القوقاز في روسيا، حيث قام جهاز الأمن الفيدرالي الروسي في 7 فبراير/ شباط الماضي بإلقاء القبض على مجموعة أعضاء التنظيم في إيكاترينبورغ بالقرب من جبال الأورال، وادعى التقرير أن قائد المجموعة قد دخل إلى روسيا قادماً من تركيا.
تقرير الشرطة الفيدرالية أشار أيضاً إلى أن تلك المجموعة كانت تخطط لتنفيذ مجموعة من الهجمات على محطات المترو ومراكز التسوق في المدن الكبرى كموسكو وسان بطرسبرغ وإيكاترينبورغ وفق تقرير شبكة Meduza الروسية.
وفي الوقت الذي تسعى فيه السلطات إلى تجنب قتل هؤلاء، يثير هذا الأمر بعض السخط.
يقول جريجوري شيفيدوف، وهو رئيس تحرير موقع Caucasian Knot الإخباري المحلي: "أحد العوامل الرئيسية التي تسبب تصاعد العنف هو رد فعل المسلمين تجاه قرار السلطات بإغلاق المساجد السلفية، بالإضافة إلى قيام قوات الأمن بوضع الكثير من الضغوط على بعض الأعضاء المحتملين لتنظيم داعش".
بطبيعة الحال، تعتبر المجموعات المسلحة واقعاً في تلك المنطقة، حيث يرصد الكاتب أثناء وجوده دخول بعض أعضاء الميليشيات المسلحين بالكلاشينكوف إلى أحد المطاعم وطلب الطعام، في حين أخبره أحد العاملين الصغار أن وجود الأسلحة في الأماكن العامة هو أمر اعتادوا رؤيته، تماماً مثل المشاكل الأخرى كالبطالة.
يضيف الشاب قائلاً أن خيارات المستقبل محدودة جداً، حيث ربما لا يستطيع خريج جامعي كسب أكثر من 350 دولاراً على الأغلب ولا يجد عملاً سوى في مجال المبيعات في أغلب الأحيان، كما ينتقل الكثير من الشباب إلى المدن الكبيرة أملاً في حياة أكثر استقراراً ورواتب أعلى، ربما تصل إلى 650 دولاراً.
3 آلاف قوقازي في سوريا
على الجانب الآخر، يختار بعض الشباب السفر إلى سوريا والانضمام إلى تنظيم داعش، حيث رصدت تقارير محلية انضمام ما يزيد عن 3000 شاب من شمال القوقاز إلى التنظيمات المسلحة في الشرق الأوسط وبالتحديد تنظيم داعش.
في إحدى العمليات التي قامت بها الشرطة مؤخراً في منطقة كراشاي، قتلت 3 من الشباب وألقت القبض على 6 آخرين يشتبه في قيامهم بإعلان مبايعتهم لتنظيم داعش عبر الإنترنت، حيث يقول أندري برزيزدوميسك من قوات مكافحة الإرهاب أنهم قاموا بتصوير مقطع فيديو يعلنون فيه تأييدهم لتنظيم داعش وقاموا بإرساله عبر تطبيق واتساب.
في وقت لاحق من هذا الشهر، أصدرت محكمة محلية أحكاماً على 6 شباب مسلمين يشتبه في إعدادهم لسلسلة من الهجمات الإرهابية في روسيا، حيث كانت التحقيقات الفيدرالية قد أعلنت أن المجموعة على اتصال بجهات داخل سوريا وأنهم كانوا في انتظار توجيهات مباشرة لتنفيذ هجمات إرهابية داخل البلاد. وطبقاً لتحليل نشره موقع Caucasus Knot، فقد بلغ عدد ضحايا الهجمات الإرهابية منذ عام 2010 إلى 6074 شخصاً.
وكان مسئولون رسميون قد صرحوا لصحيفة ذا ديلي بيست أن موسكو كانت تطمح إلى تحويل شمال القوقاز إلى مركز سياحي رئيسي، حيث يقول أحدهم: "كنا نتفاوض مع عدد من المستثمرين من إيطاليا وفرنسا، إلا إن كل تلك المشروعات توقفت نتيجة لعدم الاستقرار، فبالتأكيد لا أحد يرغب في قضاء عطلته في مكان معروف بالهجمات الإرهابية وهو ما يضع المستثمرين في مأزق كبير".
لذلك، يمكن القول بأنه مع استمرار الحرب في سوريا والعراق، وتزايد الضغوط على داعش، يبدو أن لديها خططاً مستقبلية في ولاية القوقاز للانتقام من روسيا.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة انترناشيونال بيزنيس تايمز للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.