الاتفاق الأخير حول سقف إنتاج النفط الذي قادته السعودية وقطر ودعمته روسيا ووافقت عليه إيران، يعد خطوة لتثبيت أسعار النفط أو على الأقل عدم انخفاضها من جديد، لكنه بالتأكيد سيرفع أرباح الرئيس فلاديمير بوتين من الخام وهو ما يعنى مزيداً من المواجهات في سوريا.
تقرير نشرته شبكة بلومبيرغ الإخبارية، الأربعاء 17 فبراير/شباط 2016، قال إن الاتفاق الأخير بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والسعودية على تقنين إنتاج النفط قد يجدي من جهة لإعادة أسعار الذهب الأسود للاستقرار، بيد أنه من جهة أخرى يصبّ الزيت على النار في الحرب السورية.
الاتفاق في الوقت ذاته قناع يغطي وراءه عداوة بين أطرافه التي يدعم كل منها طرفاً مختلفاً في حرب سوريا، تلك الحرب التي تشعّبت وراح ضحيتها ربع مليون نسمة بينما شردت ملايين آخرين.
جيمس دورزي، كبير خبراء معهد الدراسات العالمية بجامعة نانيانغ للعلوم التقنية في سنغافورة، قال "المفارقة تكمن في أن الاتفاق السعودي الروسي يقود إما لاستقرار أو رفع أسعار النفط، وهو ما سيعود على كلا البلدين بمزيد من الأموال وبالتالي تمويل خططهما العسكرية، حيث أعلنت السعودية مؤخرا عن استعدادها للتدخل البري بسوريا".
السعودية الأسبوع الماضي أرسلت طائرات حربية مقاتلة إلى تركيا، وقالت إنها على استعداد لإرسال قوات برية لمساندة تحالفها مع أميركا إن تولت الأخيرة قيادة حرب برية على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
هذا السيناريو استبعدته الإدارة الأميركية لأنه ينطوي على مواجهة مع قوات الرئيس السوري بشار الأسد المدعوم جواً بغطاء روسي قلب موازين القوة بعد 5 أعوام من الحرب.
وترغب كل من تركيا والسعودية وأميركا في رحيل الأسد عن السلطة.
تصاعد التهديد
مع تصاعد وتيرة القصف الروسي جواً وتوغل قوات الأسد براً لتطويق مدينة حلب الشمالية، ازداد التهديد على مصالح تحالف واشنطن. إن خسر التحالف مدينة حلب التي كانت يوماً أضخم المدن السورية، فسيشكل ذلك ضربة موجعة.
فتركيا حذرة من تقدم الأسد والروس نحو حدودها؛ لأنه يعني أيضاً توسّع رقعة حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي (PYD) الذي تدعمه روسيا بينما تصنفهم أنقرة إرهابيين يعملون على قطع طرق إمداد المعارضين السوريين.
وحسب المتحدث باسم الرئيس الروسي، ديميتري بيسكوف، فإن الصفقة الروسية السعودية لا تمثل سوى المصالح المشتركة للبلدين ولا تعني أي تراجع عن خلافات البلدين حول سوريا، "فهاتان قضيتان مختلفتان"، وفق تصريحاته للصحافة أمس الأربعاء.
وقالت ليليت غيفورغيان، كبيرة خبراء الاقتصاد في منظمة IHS Global Insight في لندن "إن التوتر الدبلوماسي وراء صفقة البترول محيّر، لكنها ليست أول مرة تبدو فيها روسيا براغماتية نفعية بفصل قضايا سياستها الخارجية عن مصالحها الاقتصادية الأساسية".
وتشكك معظم الخبراء بأن تفلح الصفقة التي جمدت الإنتاج بعدما وصل ذروته في رفع الأسعار حتى لو احتذت دول كبرى منتجة في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) بالسعودية.
فإيران العائدة إلى الأسواق العالمية بعد غياب سنين من العقوبات كانت قد كشفت عن نيتها استعادة حصتها في السوق بغض النظر عن الأسعار.
ضربة موجعة
تراجع أسعار النفط الخام بهذا الشكل لأول مرة منذ 12 عاماً يمثل تهديداً حقيقياً لكل من روسيا والسعودية اللتين أجبرتا على خفض إنفاقهما بسبب تراجع عائدات النفط والطاقة، فبوتين يواجه أطول ركود اقتصادي في روسيا منذ عقدين من الزمان، والسبب ضربة مزدوجة في انهيار أسواق النفط من جهة والعقوبات على بلده بسبب أوكرانيا من جهة أخرى.
وقال بول سوليفان، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون بواشنطن "قد تكون هذه المحاولة لرفع أسعار النفط قصيرة الأمد، هذا إن لم تكن محض وهم وسراب. لكنها على أية حال إشارة على توجّع كل من روسيا والسعودية من الضربة على اقتصادهما".
ومع ذلك، ترفض كلتا الدولتين التراجع عن أجندتيهما الدبلوماسيتين الجريئتين، فبوتين لم يعبأ بالتحديات الاقتصادية غير المسبوقة التي يعانيها في الداخل الروسي، وذلك في سبيل إحكام السيطرة على صراعه الدائر منذ عامين في أوكرانيا، حيث تم التوصل إلى هدنة متزعزعة.
أما في سوريا فقد صعّد بوتين من حملته العسكرية التي بدأها في سبتمبر/أيلول الماضي، مقدماً دعمه لقوات الحكومة السورية وحلفائها الإيرانيين لحصد أكبر المكاسب البرية في الحرب.
أما السعوديون فقد ضاعفوا في هذه الأثناء من دعمهم للمعارضة السورية في الوقت ذاته الذي ينشغلون بمواجهة الحوثيين في جارتهم اليمن.
ضباب الحرب
نيكولاي كوفاليوف، الرئيس السابق للأمن الفيدرالي الروسي، قال عبر قناة RIA Novosti الحكومية الرسمية، إن دخول قوات تركية إلى سوريا لمواجهة القوات السورية سيزيد الخطر ويضاعفه أكثر.
وأضاف: "إن عبروا الحدود فلن نتمكن من التمييز بينهم وبين المعارضين".
ودانت أميركا أول حملة عسكرية تشنها روسيا خارج حدود اتحادها السوفييتي السابق منذ الحرب الباردة، ووصفتها بأنها تعرقل قتال "داعش".
والأسبوع الماضي في ميونيخ، اتفق وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، على اتفاق هدنة مؤقتة في سوريا، واتفقا كذلك على التعاون لتوصيل المساعدات والإغاثات الإنسانية إلى داخل البلاد.
أما روسيا التي تتهمها واشنطن وحلفاؤها بضرب معارضي الأسد "المعتدلين" بدلاً من استهداف "داعش"، فقالت إنها ماضية في ضرب من تعتبرهم مجموعات إرهابية بغض النظر عن هوية داعميهم.
وقالت ماشا ليبمان، المحررة في مجلة "كاونتربوينت" التي تصدر عن جامعة جورج واشنطن الأميركية "بوتين يكابر ويتمسك بعدم الظهور ضعيفاً أو مستسلماً للضغط. فمعه نسبة تأييد تزيد على 80%، وهو الآن وسط لعبة عالمية كبيرة هو أحد أهم لاعبيها".
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن موقع bloomberg الأميركي، للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.