حينما حشد مقاتلو تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) رجال الإيزيديين في قرية كوجو صفاً واحداً وأطلقوا النيران عليهم، لم يكن القتلة من الأجانب، بل كانوا من قاطني القرية المجاورة، بحسب أحد الناجين ويدعى كيتشي أمو سلو، وهو ما يجعل عملية المصالحة بين العراقيين أمراً غير هيّن، خاصة بعدما ضربت الفرقة صفوفهم وبات كل طرف يريد أن يثأر من الطرف الآخر.
صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية نقلت في تقرير نشرته، الأربعاء 17 فبراير/شباط 2016، عن سلو، الناجي الوحيد بين 10 أشقاء خلال مذبحة عام 2014، قوله: "كنت أعرفهم شخصياً. ويقول الأهالي إنهم أجانب، ولكن ذلك ليس صحيحاً، فقد كانوا أصدقاءنا".
وأضاف سلو، الضابط السابق بالجيش العراقي، أنه لا يستطيع تصور المصالحة مع أيٍّ من أهالي القرى المجاورة. وتساءل:"لو رأيت شخصاً ما يقتل والدك أو شقيقك ويخطف أطفالك، فهل يمكنك العيش معه وتقبله؟ مستحيل".
لو استطاع العراقيون تصوّر مستقبلهم كدولة موحّدة بعد سنوات من الصراع الداخلي مع الجهاديين، فإن تحقيق المصالحة بين القبائل والأعراق المختلفة سيكون بمثابة عقبة كبرى.
ومع ذلك، فرغم صد هجمات قوات تنظيم داعش في العراق، إلا أن المجتمعات تتعرض للتفتيت والتفكك.
ومع تراجع نفوذ "داعش" في شمال وغرب العراق، يتمثل أحد التحديات الكبرى في كيفية إصلاح العلاقات بين المجتمعات والقبائل التي انضمت للتنظيم أو قامت بدعمه من جهة وبين هؤلاء الذين وقعوا ضحية للجهاديين من جهة أخرى.
ورغم أن تنظيم داعش يستهدف في الأساس الأقليات الدينية والطائفة الشيعية فقد أعلن التنظيم أيضاً الحرب على الطوائف السنية التي انضمت إلى قوات الحكومة العراقية في إقليم الأنبار.
ففي هذا الإقليم المتحفظ، يتطلب الحفاظ على الشرف القبلي للضحايا تقديم فدية مالية أو تحقيق الثأر.
وقال صهيب الراوي، حاكم الأنبار: "فرض القانون هو أساس المصالحة. فإذا كانت لدينا أموال لتعويض الضحايا، سيؤدي ذلك إلى التقدم بعملية المصالحة للأمام. وكنا سنتولى تعويض هؤلاء الذين عانوا من تنظيم داعش حتى لا يفكروا في الثأر لأنفسهم".
خطوة لا يمكن تصوّرها
يرى الإيزيديون أن العودة إلى مواطنهم والمصالحة مع الجيران أمر لا يمكن تصوّره. وعلاوة على ذلك، فإن الصعوبات التي يواجهونها مع المجتمعات المجاورة تسبق تنظيم داعش وتتشابك مع السياسات المعقدة لشمالي العراق.
وقالت بربارا هام، مؤسسة برنامج ضحايا العنف في كلية هارفارد للطب: "المصالحة عملية معقدة للغاية، ولا تحدث في بداية التعافي".
وأضافت هام: "هناك سبل عديدة للتعايش معاً. فالبعض يعيشون في الجوار والبعض يتشاركون، ولن نتوصل دائماً إلى نوع العلاقة التي قد نريدها أنا وأنت".
كانت حملة الرئيس العراقي السابق صدام حسين لتعريب كرد الدولة وغيرهم من الأقليات، تستهدف عدم إمكانية قيام الإيزيديين الأكراد القاطنين لسهول نينوى بتسجيل ملكية الأراضي بأسمائهم.
وقد أدى تحفظهم التقليدي إلى حرمانهم من أي قاعدة سياسية داخل الصراع الكردي الأكبر من أجل الحصول على الاستقلال.
وقد انسحب كل من القوات الحكومية العراقية والقوات الكردية التي تعهدت بحماية الإيزيديين حينما قام تنظيم داعش بالغزو من ناحية سوريا وتركتهم للتنظيم على جبل سنجار.
واستشهد الرئيس الأميركي باراك أوباما بما وقع لهم من مذابح في أغسطس/آب 2014 حينما فوّض بالضربات الجوية الأميركية في العراق. ولا تزال عدة آلاف من النساء الإيزيديات محتجزات على أيدي تنظيم داعش.
وقال محمد إحسان، الوزير السابق لشؤون حقوق الإنسان بالحكومة الإقليمية الكردية: "الوقت مبكر للغاية الآن. فهم يحتاجون للتصالح مع أنفسهم أولاً. يحتاجون إلى تحديد ما إذا كانوا سينضمون إلى إقليم كردستان أو إلى الحكومة العراقية".
هذه الأرض أرضنا
قبيل اعتداءات تنظيم داعش، كانت مدينة سنجار الإيزيدية تخضع لإقليم نينوى العراقي وعاصمته الموصل. وتعد المدينة جزءاً من الإقليم الذي تزعم كل من الحكومة المركزية العراقية وإقليم كردستان شبه المستقل خضوعه لسيطرتها. وتخضع المدينة حالياً للسيطرة الكردية.
وقال جميل خضير، رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني في سنجار: "القضية من وجهة نظري تتمثل في الأرض. ولابد أن يكون هناك ترسيم للحدود بين العرب والإيزيديين، وإلا فلن يتقبلوا العرب الذين اقترفوا الجرائم ضدهم وسيثأرون منهم".
وبحسب التقديرات الإيزيدية، يضم إقليم سنجار 3% من العرب و84% من الإيزيديين. ومع ذلك، فقد أطلقت باتجاههم بعض القرى من مؤيدي تنظيمي القاعدة وداعش.
وذكر النشطاء الذين يؤيدون فكرة المصالحة أنه بينما تسعى الحكومات لضمان أمن النازحين ومحاكمة المتهمين باقتراف الجرائم، إلا أنه يتعين على المجتمعات ذاتها تولي المسؤولية عن استعادة العلاقات والصفح عن أخطاء الماضي.
ومع ذلك، قالت جماعات حقوق الإنسان إنها قامت بتوثيق حالات منفصلة للثأر من العرب من قبل المجتمعات الإيزيدية المسلحة وتخشي وقوع المزيد من عمليات الثأر والانتقام.
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The Christian Science Monitor الأميركية، للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.