“الجلوس في البيت وتقاضي الراتب”.. تلاشي حلم الشباب السعودي

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/17 الساعة 10:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/17 الساعة 10:16 بتوقيت غرينتش

تمتلئ قاعة في جامعة بالرياض بشباب سعودي بأثوابهم البيضاء، كلٌّ يحمل في يده سيرته الذاتية الجديدة، منتظرين في طابور طويل أن يحين دورهم ليقدموا أنفسهم لأرباب العمل.

هكذا كان المشهد في أحد 3 معارض للوظائف عقدت بالعاصمة السعودية في غضون أسبوعين.

لعل الإقبال الحاشد كان سببه جزئياً خوف الشباب اليافع من مستقبل تحكمه أسعار نفط زهيدة، في دولة يشكّل النفط بالنسبة لها كل شيء، وفق تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز " الأميركية، الثلاثاء 16 فبراير/شباط 2016.

على مدى عقود أغدقت السلطات السعودية عطاء ثروة النفط على مواطنيها بالخدمات والمنافع، من تعليم مجاني ورعاية صحية مجانية ودعم حكومي سخي لأسعار الطاقة، ناهيك عن وظائف حكومية سخية جداً لا تتطلب مجهوداً كبيراً، ولا ضرائب تذكر.

انخفاض أسعار النفط

ولكن وبينما هبطت أسعار النفط لما دون 30 دولاراً للبرميل بعدما كان يحلق فوق 100 دولار للبرميل الواحد في يونيو/حزيران 2014، فلم يعد للحسبة القديمة مكان في الوقت الراهن.

فالأسعار المتدنية ذهبت بقطعة كبيرة من ميزانية الدولة، ما يتهدد ذاك العقد غير المكتوب القائم على التفاهم الاجتماعي بين الدولة ومواطنيها والذي لطالما ساد حياة المملكة، أغنى وأكبر اقتصاد عربي، وأحد أهم حلفاء أميركا.

الوضع الجديد بدأ ينعكس على جوانب اقتصاد المملكة، فتأجلت مشاريع حكومية وفرضت حدود وسقف إنفاق على الوزارات، كما بدأت بشكل جدي مناقشات رفيعة المستوى حول فرض تدابير لطالما اعتبرت ضرباً من المستحيل، مثل سن الضرائب وبيع أسهم في شركة أرامكو السعودية، وهي عملاق البترول الحكومي، وأهم وأكثر شركةٍ قيمةً في العالم.

تجميد مستويات الإنتاج

الثلاثاء أعلن وزراء البترول في السعودية وروسيا وقطر وفنزويلا تجميد مستويات إنتاج البترول في محاولة لإعادة أسعار النفط العالمية إلى استقرارها، لكن يبقى غير مؤكدٍ مدى فاعلية هذه الخطوة في حال رفضت دولٌ أخرى كإيران والعراق المشاركة فيها.

الشباب السعودي تحت الـ30 –والذين يشكلون 70% من السكان- يرون أن أزمة النفط ذهبت بجزء كبير من آمالهم وتوقعاتهم، وباتوا يدركون الآن أن حياتهم ستكون أصعب من حياة والديهم: فالعمل سيغدو أكثر صعوبة، وسيقل الأمن الوظيفي، إضافة إلى انكماش امتيازات العمل في القطاع العام.

يتحدث عبدالرحيم الخليفي (20 عاماً) إلى نيويورك تايمز في أثناء استراحة له من عمله في مطعم مكدونالدز قائلاً "كان الأمر أسهل على الجيل الأكبر، فما إن تخرجوا من الجامعة حتى حصلوا على وظيفة حكومية، أما الآن صار لزاماً عليك الحصول على شهادة أعلى،" وأضاف في إشارة إلى بني جيله "إن العبء كله بات علينا."

أهمية النفط بالمملكة

لا مجال للمزايدة على أهمية النفط في تطور السعودية المعاصر. ففي غضون بضعة عقود من الزمان، قفز النفط بها من بلد فقير بدوي إلى دولة ثرية في مصاف الحضارة المتقدمة، وبات بدو البارحة الـ21 مليون نسمة يعيشون في مدن متطورة تتناثر فيها ناطحات السحاب ويقودون أغلى سيارات الجيب الرياضية في شوارع عريضة معبدة.

ازدهار البترول في العقد الماضي ساعد على كل ذلك، كما عاد بالخير على السعوديين في الداخل: فارتفع دخل العائلة الواحدة وتضاعفت أعداد الرجال والنساء الذين يقبلون على الدراسات العليا.

لكن سنوات الوفرة هذه خلفت اقتصاداً هشّ التركيب والهيكل، فخبراء الاقتصاد يقولون أن 90% من عائدات الدولة هي من النفط، و70% من العمالة السعودية موظفون في الدولة، بل حتى أن القطاع الخاص نفسه معتمد بشكل كبير على إنفاق الدولة.

معاناة الجيل الحالي

ولم يحدث التطور التعليمي فرقاً كبيراً في تشكيل طبقة عريضة من المتعلمين المحترفين أصحاب المهن أو يسهم في خلق ثقافة قوامها الجِد والتفاني في العمل، فجُلّ مهندسي البلاد وأطبائها والعاملين في المجال الطبي هم من الأجانب، كما أن كثيرين من موظفي الحكومة السعوديين يغادرون دوامهم اليومي منتصف الظهيرة أو أبكر.

لكن مع الهبوط الحاد في أسعار النفط ومع تزايد أعداد الشباب المقبلين على سوق العمل في كل يوم، باتت تلك الوظائف صعبة المنال لأن الحكومة خفضت إنفاقها ودفعت السعوديين للتوجه نحو القطاع الخاص، حيث الأمن الوظيفي والرواتب والأجور أقل من المتوسط.

يقول فهد التركي كبير خبراء اقتصاد شركة جدوى الاستثمارية في الرياض متحدثاً لنيويورك تايمز: "هناك مشكلة في استدامة النموذج الاقتصادي في المملكة، وما أسعار النفط سوى جرس إنذار."

لكنه قال إن السعودية ما زال في مقدورها الالتفاف والمناورة حول الوضع وذلك بفضل احتياطيها من السيولة النقدية وانخفاض الدين العام وبناها التحتية الجديدة التي لها أن تدفع عجلة النمو الاقتصادي.

الفروقات بين الأجيال واضحة

لكن الفروقات بين الأجيال واضحة، فقد أخبرتنا امرأة تخرجت أخيراً من الولايات المتحدة الأميركية بدرجة دكتوراه في مجال طبي، أن والدها كان قد انخرط في الجندية وبذلك تلقى تدريبه في الخارج وحصل على إسكان مجاني ورعاية صحية مجانية وتعليم مجاني لأطفاله، وعندما أتمت والدتها شهادتها الجامعية في قسم اللغة العربية حصلت فوراً على وظيفة بالقرب من منزلها، إضافة إلى مبلغ نقدي سخي من الدولة مكافأة لها على تخرجها فقط.

أما ابنتهما فتعاني للحصول على وظيفة رغم تعليمها الأرقى وفصاحتها باللغة الإنكليزية، كما أن زوجها الذي تعلم هو الآخر في أميركا ليس أوفر حظاً، بل هو الآخر يعاني البطالة ويعيشان سوية في منزل عائلة الزوجة.

تحدثت إلى نيويورك تايمز، فقالت: "لقد سنحت لوالديّ فرصٌ كثيرة. كان مدخولهما وإنفاقهما علينا وفيراً وعشنا حياة كريمة، لذلك لطالما ظننت أن حالنا سيكون مشابهاً."

أزمة الشرق الأوسط

هذه الضغوط الاقتصادية تأتي في ظل حالة من الفوضى تسود منطقة الشرق الأوسط بالتزامن مع تغير الأجيال في الأسرة الحاكمة السعودية.

الأمير محمد بن سلمان والذي يشغل منصب وزير الدفاع، شن حرباً مُكلفة في اليمن، ويتحدث عن تغيرات جذرية في الاقتصاد، كرفع أسعار النفط، وفرض ضرائب على الأراضي غير المُستصلَحة، وبعض السلع الاستهلاكية، وأيضاً خصخصة شركات تُديرها الدولة.

ولكن التفاصيل بشأن تنفيذ تلك الإجراءات ليست متوفرة، ما يصعب الرؤية في الكثير من المسائل مثل مقدار تكلفة إمداد الغاز والكهرباء لمصنع خلال خمس سنوات على سبيل المثال. وهذا أمرٌ صعّب على الشركات أن تخطط للمستقبل، ما يعوّق الاقتصاد المُتعثر.

وفي الوقت نفسه لم يعتد السعوديون من حكومتهم اتخاذَ إجراءات جريئة وسريعة. فالتغيير يميل إلى الحدوث على نحو تدريجي هنا، وهذه السمة الثقافية تُعقد وتفاقم الحاجة إلى التحرك السريع لمواجهة التحديات الاقتصادية والديموغرافية.

250 ألفاً في سوق العمل سنوياً

مدير تنفيذي سعودي في مجال البناء والتشييد يقول إنه ثمة حاجة لإحداث التغيير، ولكن التحرك بسرعة هائلة قد يضر بالشركات.

فالخبير الذي تحدث للصحيفة الأميركية، مُشترطاً عدم ذكر هّويته قال "على التغييّر أن يحدث، وأنا أتفق مع ذلك؛ لكن ليس بإمكانك حل مشاكل عدة عقود في غضون بضع سنين. هذا مُستحيل".

ويقول خبراء اقتصاد إن 250 ألف شاب سعودي على الأقل يدخلون سوق العمل سنوياً، وإن إكسابهم فاعلية في القوة العاملة هو تحدٍ هائل.

فالوفرة في أعداد الخريجين كانت واضحة في معرض الوظائف، حيث كان أغلب المُتقدمين قد تخرجوا في جامعات حكومية كبيرة عادةً ما تفشل في مد الطلاب بالمهارات اللغوية والتقنية التي يرغبها أرباب الأعمال.

وكان مُعظم الذين أجُريت معهم مُقابلات لم يسبق لهم العمل من قبل، وقالوا أن آباءهم يعملون في القطاعات الحكومية، وعلى الرغم من أن البعض رأى في شركات القطاع الخاص مصدرَ خبرة أفضل، إلا أن العديدين رغبوا في امتيازات الوظائف الحكومية.

يقول علي العرياني (24 عاماً) الذي سبق له العمل في مستشفى خاص ثم رغب في التغيير فتقدم لمعرض الوظائف "كانت خبرة جيدة؛ ولكن لا مجال للراحة أو للأمن الوظيفي، فالأيام طويلة وليس بإمكانك ولا حتى الخروج لبعض الوقت للتدخين".

وفي مكان منفصل مخصّص للنساء في المعرض اشتكت الكثيرات من المتقدمات للحصول على الوظائف من أن درجاتهن العلمية لم تؤهلهن بالقدرات المطلوبة كالمهارة في استخدام الحاسب الآلي التي يطلبها أصحاب العمل.

كما اكتشفت مجموعة نساء حصلن على درجات علمية في علم الأحياء الدقيقة أنهن يفتقرن إلى التراخيص المطلوبة للحاق بوظائف المستشفيات.

خلود الخطيب (23 عاماً) قالت "مشكلتنا الأساسية هي أن جامعاتنا لم تُؤهِّلنا لسوق العمل"، وأضافت أن العديد من المستشفيات تفضل توظيف الأجانب بأجورٍ أدنى.

إجراءات لزيادة التوظيف

في السنوات الأخيرة ضغطت الحكومة من أجل زيادة توظيف السعوديين، وفرضت عقوبات على الشركات التي ليس بها إلا قلة من العمالة السعودية. تلك الإجراءات اعتبرها أصحاب العمل بغيضة وتثقِل كاهل ميزانية رواتب شركاتهم بأشخاص يتقاضون الكثير ولا يعملون إلا النزر اليسير.

وحتى الشركات التي قامت بتوظيف العديد من السعوديين، فقد اضطرت إلى الاعتماد على الكثير من أساليب الهندسة الاجتماعية لحملهم على العمل.

يشكل السعوديون ثلث فريق العاملين في أحد مطاعم مكدونالدز بالرياض، ويعملون في نافذة تسليم الطلبات وعلى صندوق الدفع، كما يُعدون البطاطس المقلية.

يصيح أحدهم لزميله ذات صباح "هل هذه حارّة؟ ناولني طبق بطاطس مُحمرة كبيراً من فضلك!"

ورغم أنهم يؤدّون نفس مهام العمالة الأجنبية إلا أن السعوديين يتقاضون رواتب أعلى بكثير، فرواتب الأجانب تبدأ من 320 دولاراً في الشهر، بينما تصل رواتب السعوديين إلى 1.460 دولاراً تدعم الحكومة جزءاً منه.

كما تمنح الشركة السعوديين أيضاً المزيد من المرونة، إضافة إلى أنها أعدت برامج ترقية سريعة لهم كي يتسلموا مناصب في الإدارة.

يقول أربعة عمال سعوديين مجتمعين في غرفة الاستراحة أنهم يُحبون وظائفهم ولكنهم قلقون من أنهم قد لا يتمكنون من النجاح كما كان آباؤهم الذين عملوا جميعهم لدى الحكومة. هم يدركون أن لدى الحكومة الآن مالٌ أقل لتوظيف المواطنين السعوديين، وهذا يعني أن جيلهم عليه أن يعمل بجد أكثر.

يقول أحمد محمد (21 عاماً) "الحكومة جيدة، ولكن جيلنا مدلّل. الجميع يرغبون في وظيفة حكومية"، فيؤيده الجميع، ويختم زميله الخليفي قائلاً "الجميع يريد الجلوس في منزله وتقاضي الراتب".

هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة New York Times الأميركية.

تحميل المزيد