لم يكن في بال الطالب بكلية الطب في مدينة تعز اليمنية، أحمد الدميني، أن تحل الذكرى الخامسة لثورة 11 فبراير/شباط التي هتف لها وعالج جرحاها المصابين برصاص قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والبلد مجرد حطام، وينزف أكثر من قوات الرجل ذاته ومعه حلفاء جدد.
لا يختلف حال الدميني عن كثير من الشباب اليمنيين الحالمين حينذاك بدولة فاضلة ستخرج للنور، ويعترفون الآن بأن ثورتهم تعرضت لإرهاصات حالت دون نجاحها.
"ثورتنا لم تفشل، مازلنا في منتصفها"، يقول الدميني، الذي كان عام 2011 طالباً يتمرّن على معالجة الجرحى في المستشفى الميداني لساحة الحرية في مدينته تعز، وبات الآن طبيباً في أكبر مستشفياتها الحكومية يستقبل يومياً عشرات الضحايا المدنيين جراء قصف قوات صالح والحوثي.
ويضيف الطبيب، الذي تسلل عشية الذكرى الـ5، من غرفة الطوارئ في مستشفى الثورة الحكومي بتعز حيث يعمل، إلى ساحة إيقاد الشعلة وسط المدينة، "نعم. كنا نحلم بنموذج مختلف، أن تحكمنا سلطة بانتخابات ديمقراطية، لكن حلمنا لم يتبدد بعد. سنواصل".
خيمة الثورة.. غرفة طوارئ
في عام 2011، كان الدميني ينطلق من خيمة "تكتل الشباب الجامعي" ليجوب شوارع المدينة بالهتافات والعودة إليها، وفي الذكرى الـ5 باتت غرفة طوارئ مستشفى الثورة الحكومي، هي خيمته الوحيدة التي يقضي فيها غالب أوقاته، ويناضل من أجل توصيل الإمدادات الطبية وأسطوانات الأوكسجين.
يقول الدميني لـ"عربي بوست" لقد: "رفضتْ قوات صالح محاولتي إسعاف أحد شباب الثورة الذين أُصيبوا بطلق ناري في وجهه عقب فض الاعتصام في الساحة، مشهد يؤرقني، أحاول الآن طمس تلك الصورة بإنقاذ كل المدنيين الأبرياء الذين يتساقطون من بنادق نفس القوات".
من الساحة إلى جبهة السلاح
خلافاً للأعوام السابقة، حلت الذكرى الخامسة لثورة 11 فبراير/شباط ضد نظام صالح، والمئات من شبابها قد تفرقوا في جبهات مختلفة، أو نازحين خارج مدنهم.
في عام 2011، كان الناشط أحمد الوافي واحداً من الأصوات الهادرة في ساحة الحرية بمدينة تعز، أولى الساحات التي نُصبت فيها خيمة مناوئة لصالح.
أصيب الوافي يوم قيام قوات الحرس الجمهوري الموالي لصالح بفضّ الساحة في مايو/أيار من ذات العام، لكنه تعافى كما تعافت الساحة الثورية مجدداً وعادت اليها لمواصلة دورها حتى اليوم.
عقب اجتياح الحوثيين لتعز، أواخر مارس/آذار 2015، اضطر الوافي لحمل بندقية بدلاً عن الميكرفون، لكنه أيضاً ترك الجبهة مجدداً واتجه إلى عدن، جنوبي البلاد، لمتابعة ملف جرحى تعز المهمل من قبل الحكومة هناك، كما يقول.
يؤكد الوافي لـ"عربي بوست" أن "هؤلاء الجرحى جزء من ثورتنا ولن نخذلهم، في عام 2011 كنا معهم أمام ساحات الحكومة في صنعاء، واليوم أمام الحكومة في عدن".
من الساحة إلى خلف القضبان
بالنسبة للصحفيين، طلال الصبري وهيثم الشهاب، لم تأخذهما الذكرى الـ5 للثورة التي كانوا جزءاً منها إلى جبهات جديدة لمواصلة النضال، ولكن إلى سجون من ثاروا ضدهم.
وطبقاً لنقابة الصحفيين، في بلاغين منفصلين، فإن الصحفي الصبري اختطف مطلع فبراير/شباط الجاري من بلدة المسراخ (جنوبي تعز)، فيما تم اعتقال الشهاب قبل أشهر من العاصمة صنعاء وتم إيداعه في سجون الحوثيين وصالح.
الحوثيون يحتفلون أيضاً
يشعر الحوثيين بالامتنان لثورة 11 فبراير، كونها هي التي نقلتهم من "جماعة مُجرّمة" في الشارع اليمني، إلى فصيل سياسي خرج إلى النور مطالباً بإسقاط نظام صالح الذي خاض 6 حروب ضدهم في معاقلهم بصعدة، شمالي البلاد.
لكن، وكما كانت الثورة سبباً في عودة الحوثيين للحياة السياسية، كان الحوثيون فيما بعد سبباً في عودة من ثاروا ضدهم إلى الواجهة، بالتحالف معه لإسقاط حكم الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، منذ عام 2014.
وعلى الرغم من التحالف الوثيق، إلا أن الحوثيين دعوا لمظاهرات احتفالاً بالذكرى الخامسة لثورة 11 فبراير، وهو ما أثار حفيظة قيادات في حزب صالح (المؤتمر الشعبي العام).
الأمين العام المساعد لحزب صالح، ياسر العواضي، كتب سلسلة تغريدات في تويتر، حول أنه يجب الحفاظ على ما وصفها "الشعارات الوطنية التي تواجه العدوان"، في إشارة للتحالف العربي، تخوفاً من شعارات قد يرفعها الحوثيون مناوئة للرئيس والخصم السابق، والحليف الحالي، صالح.