كانت سيدة البيت حادة الطباع قليلا.. فيما يتعلق بنظافة بيتها.. غالبًا ما كانت توبِّخ خادمتها كلما لاحظت أوانيها الفضية مُعتِمة على غير العادة من تراكم التراب فوقها: "عليكِ مسحها بقماش مبتلّ بالليمون والملح".. دائمًا ما كانت تكرر.
ودائمًا ما كانت تفتتح السيّدة يومها.. بابتسامة مختلسة لانعكاس وجهها البارق على وجنتيّ إبريق المياه الفضيّ.
حينما مرّت السنون.. وكبُرت الابنة حتى انسدل شعرها بلون البندق على كتفيها، كانت كثيرا ما تتسلل لغرّفة أمها.. تحملق في انعكاس ضوء النهار على زجاجات الثريّا بألوان الطيف.
تفتح آنية العطور وتحلُم
تمسّ رسمات أفرع الشجر البارزة فوق إبريق وإناء الوضوء الخاص بأمها
وتتمتم "حينما أكبُر.. سيكون لي غرفة مثل هذه تماما".
كبُرت الفتاة.. وصارت عروسًا جميلة لأحد تجّار دمشق الواعدين، أهدى الشاب أهل الفتاة بأجمل الأقمشة من متجره كهدية.. أهدت السيدة الكبيرة ابنتها إبريقها الفضي والكثير من الأمنيات، أصبح المنزل الكبير يعجّ الآن بالأطفال.. فقد صار للجدة أحد عشر حفيدًا وحفيدة من أولادها الثلاثة وابنتها الكبرى.
صار كل شيء هادئًا.. وجميلًا .. بعيدًا كل البُعد عما قد يعكِّر صفو تلك العائلة.
حتى أتى يوم.. احترق فيه البيت
والأرض التي تحمله
لم يكن حريقًا هو ما اندلع
ولكنها حرب.. أتت على الأخضر واليابس.
سرقت بعض هؤلاء الأحفاد عندما اشتدت سواعدهم.. وانحرف بكلٍ منهم فريق يُنكر حق وجود الآخر،
واقتسمتهم مع ضيق البقاء أو الموت.
حرقت الحرب قماشًا نفيسًا كان يومًا هدية.
وهشّمت زجاجات العطر وبدّدت عبيرها.
غطى رمادها كريستالات الثريّا.. فلم تعُد تتلألأ مع إشراقة كل شمس..
ولم يبقَ سوى إبريق فضيّ..
اضطر أحد أبناء تلك العائلة أن يبيعه أخيرًا.. مقابل كيلوغرام واحد من الأرز.