أنفقت الولايات المتحدة وحلفاؤها ملايين الدولارات لدعم مقاتلي المعارضة السورية، الذين يرونهم معتدلين وعلمانيين إلى حد كبير، والمجموعات المدنية التي تعمل في مجال الشركات التجارية الصغيرة والمجالس المحلية التي تعتبرها ركيزة مستقبل سوريا.
ويرى نفس هؤلاء السوريين الذين استفادوا – وخاطروا بحياتهم – أن الاستثمارات تواجه خطر الانهيار، ويرون أنه يتعين على واشنطن إنقاذها، سواء بالطرق الدبلوماسية أو العسكرية، وفق تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، الثلاثاء 9 فبراير/شباط 2016.
وفي رسالة حديثة إلى مسؤولي السفارة الفرنسية، طلب زكريا ملاحفجي، الزعيم السياسي لإحدى أكبر تنظيمات المعارضة التي توفر لها الاستخبارات الأميركية الرواتب والسلاح، قال "ماذا ستفعلون بخلاف إطلاق التصريحات؟"
انعدام الثقة
على مدار 5 خمس سنوات من الحرب والثورة، خاب أمل العديد من السوريين مراراً وتكراراً إزاء ما اعتبروه تضارباً بين التصريحات الأميركية اللاذعة ضد الحكومة السورية والجهود المتواضعة نسبياً لمساعدة ودعم بعض خصومها.
وقد أشار الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى ضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد ووضعَ خطاً أحمر على استخدام الأسلحة الكيماوية، ولكنه تراجع عن كليهما، ممّا أدى إلى انعدام الثقة لدى السوريين المناهضين للحكومة.
ومع ذلك، وصل الارتباك واليأس إلى مداه الأسبوع الماضي، حيث تقدمت القوات الموالية للأسد شمالاً تجاه حلب، ما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من اللاجئين الجدد إلى الحدود التركية.
ومع فقدان قوات المعارضة لقواتها وأراضيها التي تسيطر عليها وتدمير قراها جراء القصف الروسي، استخدم المدنيون والمقاتلون خلال الأيام الأخيرة عبارات مثل "ليس هناك أي أمل" و"انتهى الأمر" و"قضي علينا".
ونقلت الصحيفة الأميركية عن أبو الهيثم، المتحدث باسم تنظيم ثوار الشام الذي يتلقى دعماً من الاستخبارات الأميركية: "وداعاً أيتها الثورة"، ضمن رسالة نصية أرسلها أخيراً من مدينة تل رفعت شمالي حلب التي تزحف القوات الحكومية نحوها.
الخوف من الهزيمة
وقد اعتاد مقاتلو المعارضة الذين تدعمهم الولايات المتحدة على مثل هذا الموقف الأميركي خلال السنوات الأخيرة والمتمثل في عدم رغبة الولايات المتحدة في انتصارهم بالحرب – خشية أن تؤدي الإطاحة بنظام الأسد إلى الحكم الإسلامي – ورغبتها في الحيلولة دون هزيمتهم لأطول فترة ممكنة من أجل الضغط على الحكومة لقبول التفاوض على تسوية سياسية.
ويخشى هؤلاء حالياً أن تتركهم الولايات المتحدة وحلفاؤها ينهزمون. وتوجه العديد من زعماء قوات المعارضة الذين يتلقون الدعم الغربي مساء الثلاثاء 9فبراير/شباط 2016، للقاء المسؤولين الأميركيين وغيرهم في إسطنبول وأنقرة دون أمل أن تحدث تطورات تغيّر مسار الأمور.
وكانت إدارة أوباما ذكرت على مدار شهور أنه لا يوجد حل عسكري للنزاع في سوريا وأن خطتها لمواجهة الفوضى داخل البلاد كانت تتمثل في محاولة التوصل إلى مرحلة انتقالية سياسية من خلال المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة والتي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى رحيل الأسد.
لكن، ونتيجة لإخفاق تلك المفاوضات الأسبوع الماضي وسط الضربات الجوية للحكومة السورية التي تدعمها روسيا، كان واضحاً أن الاستراتيجية لا تحقق نتائج فعلية على أرض الواقع.
انتقادات أميركية لروسيا
وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، انتقد روسيا علناً لإخفاقها في الالتزام بعهودها بوقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا خلال مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، سعياً وراء إنقاذ المحادثات السياسية.
وتعرض كيري لانتقادات موسعة الأسبوع الماضي حينما أوقفه العاملون بمنظمات المجتمع المدني السورية خلال حفل الكوكتيل الذي أقامه له الأمير تشارلز في لندن بعد انتهاء مؤتمر المانحين الدولي بشأن سوريا.
ووفقاً لما ذكرته سيدة سورية اشترطت عدم ذكر اسمها لحماية منظمتها، فقد طلب السوريون من وزير الخارجية ممارسة المزيد من الضغط على روسيا والحكومة السورية لوقف الاعتداءات وحصار المدنيين.
وذكرت الناشطة أن كيري يلقي باللوم على المعارضة لرفضها المشاركة في محادثات الأمم المتحدة بجنيف؛ ومع ذلك، حينما تحدث السوريون عن سقوط 230 قنبلة على حلب ذلك اليوم، قام بتصحيح العدد قائلاً إنها 180 قنبلة فقط.
وتابعت الناشطة بقولها أن كيري أضاف: "سوف تزداد الأمور سوءاً. وسيستمر ذلك لثلاثة شهور وبعدها ينتهي أمر المعارضة. ما الذي تريدونني أن أفعله؟ أحارب روسيا؟"
ومع انتشار هذه القصة على الشبكات الاجتماعية، أعلن جون كيربي، المتحدث باسم الخارجية الأميركية أن كيري لم يكن يقدم أي تنبؤات بشأن الثلاثة أشهر. وفي اليوم التالي، أخبر كيربي الصحفيين بقوله: "لم نضايق المعارضة" ولكن كيري اعترض فقط على وضع جماعات المعارضة شروطاً مسبقة للتفاوض.
وأضاف كيربي: "إذا وضعت شروطاً مسبقة، فإنك تسهل الأمر على النظام ومؤيديه بالتأكيد لاستخدام تلك الشروط كذريعة لوقف المحادثات والمفاوضات".
لا شروط مسبقة
ويذكر ممثلو المعارضة أنهم لا يفرضون أي شروط مسبقة، ولكنهم يطالبون بتنفيذ قرارات مجلس الأمن لإنهاء الحصار والضربات الجوية والأساليب المحرّمة بمقتضى القانون الدولي وألا يخضع الحصول على المساعدات لأي مفاوضات.
وفي غازي عينتاب، كان ممثل قوات المعارضة، ملاحفجي، قلقاً بشأن قيام الحكومة وحلفائها بالتقدم إلى الحدود التركية خلال أسابيع. وفي سؤال عن فرصة استعادة المناطق المفقودة خلال الأسبوع الماضي في إقليم حلب، تنهّد السيد ملاحفجي في حسرة شديدة.
وقال ملاحفجي: "نحتاج إلى ضغوط دبلوماسية حقيقية أو دعم جوي وليس لدينا أي منهما"، مضيفاً أن قوات المعارضة لن تستطيع استعادة الأرض ما لم تسمح الولايات المتحدة لحلفائها بمنحهم صواريخ مضادة للطائرات. "
ومن غير المرجح أن يحدث ذلك بسبب التخوف الأميركي من سقوط تلك الأسلحة في أيدي المتطرفين.
وتابع ملاحفجي: "يمكنهم السيطرة على تلك الأقاليم ولكنهم لن يستطيعوا إخضاعها لحكمهم. فلن يستمروا طويلاً؛ ولكننا الآن نتحدث عن كارثة إنسانية".
كارثة إنسانية
وعلى امتداد الحدود السورية التركية، ذكرت وكالات الإغاثة أن هناك تزايداً كبيراً في أعداد الفارين من حلب، حيث تقع أكثر من 200 ضربة جوية يومياً.
وذكرت منظمة أطباء بلا حدود أن نحو 230 ألف سوري يتجمعون بالقرب من مدينة إعزاز السورية، بما يؤدي إلى تفاقم الضغوط الناجمة عن نزوح عشرات الآلاف من السوريين المخيمين بالفعل بالإقليم.
وذكرت المنظمة في بيان لها أن "هناك حاجة ملحة للمأوى والمياه والصرف الصحي والبطانيات والوسائد لعائلات النازحين".
وتقدمت وكالة الأمم المتحدة للاجئين بالتماس إلى تركيا – التي تأوي بالفعل أكثر من 2.5 مليون لاجئ سوري – للسماح "بدخول المحتاجين إلى الحماية الدولية إلى الأقاليم التركية".
وطلبت الوكالة من الدول الأخرى أيضاً "زيادة الدعم المقدم إلى تركيا تدريجياً".
ويتجمع السوريون وعمال التنمية الدولية في المطاعم والمكاتب بمدينة غازي عينتاب بصورة أكبر مما سبق.
وذكر دهام، الذي يستخدم اسماً مستعاراً لحماية عائلته في سوريا ولتجنب المخاطرة بالمساعدات من خلال انتقاد الغرب، أن البرامج التي عمل بها لبناء اقتصاديات القرى تتعرض حالياً لتهديدات كبرى.
وذكر أيضاً أنه إلى جانب التهديدات التي تتعرض لها القرى، فإن ذلك "مضيعة لأموال" المؤيدين.
فيما جلست مجموعة من موظفي الإغاثة الدولية في مقهى لمناقشة ما أسموه "سؤال بمليون دولار" وهو: كيفية الرد على الشركاء السوريين الذي يشعرون باليأس ويسألون عما إذا كان عملهم قد ذهب هباءً.
وذكروا أن مشروعاتهم مع اللاجئين في تركيا ومع المجتمعات داخل سوريا تستند إلى فكرة أن اللاجئين سوف يعودون يوماً ما وأن المدن سوف تخضع للحكم الذاتي. والآن، من الأرجح أن هؤلاء السوريين يفكّرون في الالتحاق بسيل اللاجئين.
وأضاف عامل آخر: "ما حدث في حلب يقضي حقاً على أي أمل في حدوث تحوّل في المستقبل. فكيف تطلب من شخص ما أن يظل مشاركاً بينما قريته ومسقط رأسه تتعرض يومياً للقصف بمئات القنابل؟"
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة New York Times الأميركية.