أرخميدس المصري!

ودع أرخميدس الجمع ثم توجه إلى مطعم الفندق لينعم بآخر أوبن بوفيه له هناك، أكل حتى امتلأ . جر حقيبته وراءه. نزل اللوبي فوجد مدير الفندق في انتظاره ليودعه. تصافحت الأيدي وتبادل الرجلان حديثا حميما، اختتمه أرخميدس مؤكدا للمدير بأن حمامات الفندق كانت لها الفضل الأكبر لما توصل إليه

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/09 الساعة 04:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/09 الساعة 04:08 بتوقيت غرينتش

هذه التدوينة مكتوبة بكل من اللغة العربية الفصحى وأيضًا باللغة المصرية العامية.

"قصة قصيرة"

هرع إلى باب شقته كي يفتح الباب بعد أن أفزعته الدقات العالية المتسارعة، فتح الباب ليجد مجموعة من الرجال ببزاتهم ونظاراتهم السوداء، أقل واحد فيهم يدخل من باب الشقة منحيًا كي لا تصطدم رأسه بحلق الباب.
أفزعه المنظر، وقف لحظات صامتًا وهو يفكر فيما اقترف من ذنب في الأيام الماضية. هل عنف أحد الطلبة عنده ولأن الطالب "ابن ناس مهمييين" وسينال عقابه على ما تركه من ندبات في عقل الطالب؟ أم أنه تحدث في أي أمر من أمور السياسة فتلفظ بقول ما وسيدفع ثمنه الآن؟
مر شريط حياته الحزين في ثوانٍ أمام عينه وهو الذي ظن أنه عاش أيامًا سوداء، لكنه توقع أن الأسود قد حان وقته وأنه من الرؤوس التي أينعت وحان وقت حصادها.

– خرج صوت غليظ من أحد الرجال قاطعا حبل أفكار أرخميدس، متسائلا، حضرتك الدكتور أرخميدس المصري؟
-نععععم يااا ففنندم، تححيا مصر، تححيا مصر ياففنندم. (بصوت مرتجف أجاب).
– طيب مصر محتاجة ليك يا دكتور (في الخلفية موسيقى مسلسل رأفت الهجان).
-أنا تحت أمررر مصر يا فندم (تنهمر الدموع من عين أرخميدس).
-دا طقم شوك ومعالق زي ما حضرتك شايف جايباه العروسة لابن رجل مهم في الجهة السيادية اللي إحنا شغالين فيها (أرخميدس منصتًا للكلام فاغرا فاه).

استرسل ضخم الجثة في الكلام قائلًا:

-وطبعًا العروسة بتقول إنه مصنوع من الذهب الخالص.. هنا قاطع أرخميدس الرجل بصوت مبحوح قائلًا:
-وما دخل السير أرخميدس العظيم بالشوك والملاعق وماذا ستستفيد الإنسانية من هذا يا سيدي. هو قال كده بس هو كان يقصد: "وأنا مال ديك أمي بطقم معالق نيش أم الهانم يا فندي أنت"
-بدون مناقشة دي الأوامر وقدامك شهر من تاريخه عشان نعرف النتيجة، وخلي بالك الجوازة متوقفة على كلامك. (الضخم قال كدا بس هو يقصد :عندك حق والله ديك أم الجواز ع ديك أم دي شغلانة.)
-بس أنت لو نزلت الصاغه، أي صبي يقدر يقوم بالمهمة دي (أرخميدس ساخرًا..)
-شهر يا دكتور ويجيلك مندوبنا ياخد النتيجة، سلام .
بعد مرور أسبوعين..
هاتف أرخميدس يرن. لم يفلح الـ True caller بأن يأتي بكنية أو اسم المتصل، فقط عبارة unknown Number زينت الشاشة.

-ألو دكتور أرخميدس
-أيوه يا فندم، عملت إيه في المهمة الموكلة لك؟ والله يا فندم أنا… المتصل مقاطعا:
– ما دام قلت والله يا باشا يبقى مخلصتش ودا مؤشر مش كويس كدا ممكن كلنا نروح ورا الشمس.
– يا فندم والله رئيس القسم حاططني في دماغه أصل انا مدتوش صوتي في انتخابات عمادة الكلية وكمان الواحد على ما بيرجع من الكلية للبيت من الزحمة بيكون لسانه دلدل قدامه عشرة متر، ضيف لكده بقى قرف العيال وانزل هات بامبرز، متنساش تاخد كيس الزبالة، ولو كل دا تمام مبعرفش أركز من المهرجانات اللي شغالة ليل نهار في أفراح المنطقة، باختصار مش قادر أركز.

– آه فهمتك يا دكتور، خلاص بكرة هتعدي عليك عربية تاخدك لفندق7 نجوم، وكمان اعتبر المهمة بدأت من النهاردة يعني قدامك شهر كامل.
تأتي سيارة فارهة في صباح اليوم التالي أمام منزل أرخميدس لتقله إلى الفندق ليسترخي ويبدأ عمله متمنيًا أن يتوصل إلى حل لغز نظرية الشوك والملاعق هذا سريعًا؛ لكي يقضي الأيام الباقية مستجمًّا ومستمتعًا بجمال الفندق ونزلائه.

مضى أسبوعان منذ أن وطأت قدماه بورسلين الفندق، لم يتفرغ إلى بحثه ولم ينشغل بنظريته، لقد أبهرته فخامة الفندق وضخامة المبنى، قضى معظم وقته بين حمام السباحة وما بين الجاكوزي والسونا، لم يضيّع يومًا موعد البوفيه المفتوح، ولم ينسَ أن يأخذ صورة تذكارية مع كل ركن في الفندق، ليتباهى بها عندما يعود إلى بيته وجامعته بين الزملاء والأقران ليسترجع جزءًا من ثقته في نفسه والتي قد سلبتها منه رتابة الحياة وشقّي رحى الحياة التي تطحنه يوما بعد يوم كأنه حبات قمح تطحن فتصبح دقيقا ثم يأتي الهواء لينثره هنا وهناك دون الاستفادة منه، قد ترجع له هذه الصور بعد من مكانته بين زملائه أو حتى بين طلابه ليذكرهم بأنه أرخميدس العظيم.

المدة المحددة سالفا لإنهاء المهمة تتلاشى يوما بعد يوم وبالطبع لم يلفت انتباه أرخميدس وهو يسبح في حمام السباحة بأن جسده أصبح أخف وزناً عندما نزل في الماء، وأن الانخفاض في وزنه يساوي وزن الماء المزاح الذي أزاحه، ولم يلتفت أيضًا لأن حجم الماء المزاح يساوي حجم الجسم المغمور، ولم يجرِ بالطبع عاريًا في ردهات الفندق صائحا (أوريكا.. أوريكا) أي وجدتها.. وجدتها، فهو ليس بحاجة لهذا أو ذاك، فهو مطمئن القلب لأن جهاز كشف نقاء معدن الذهب الذي قد اشتراه من على موقع ALIBABA قد وصله بالفعل وبعد أن أجرى عدة تجارب على طقم الشوك تأكد بما لا يدع مجال لشك بأنه طقم "فالصو".

حزم أرخميدس حقائبه استعدادًا للرحيل بعد أن أجرى تجربته العملية والتي كانت عبارة عن إحضاره لقطعة من الذهب الخالص ثم تمرر أمام الجهاز والذي هو عبارة عن جهاز صغير ملحق به إريال يرسل هذا الجهاز نبضات لاسلكية فيتحرك الإريال نحو الذهب الخالص ولا يتحرك تجاه الفالصو، مرر بعد ذلك الشوك والملاعق واحدة تلو الأخرى فلم يحرك الجهاز ولا إرياله ساكنا معلنا بذلك "فشكلة" الخطوبة.


***

رغم هذه النتيجة غير السارة إلا أن القاعة دوى فيها صوت تصفيق حاد عندما أعلن أرخميدس بأنه ورغم أن البحث كان في المقام الأول لمنفعة شخصية إلا أنه توصل مع جهاز كشف نقاء المعادن إلى آخر يستطيع به أن "يأخد الشوائب من المعدن ويرجعهلنا في شكل ذهب خالص"، مطالبًا الجميع بجعل الأمر سري للغاية كي يستطيع التوصل للشكل النهائي لجهازه والذي سيشكل نقله نوعية في توزيع الثروات في العالم.

هنأ "الرجل السيادي" أرخميدس العظيم على ما حققه من نجاح باهر واعدًا إياه بأن الجهة التي يعمل لديها ستؤمن له البيئة والاحتياجات اللازمة لنجاح مهمته الجديدة لتصنيع جهازه.

ودع أرخميدس الجمع ثم توجه إلى مطعم الفندق لينعم بآخر أوبن بوفيه له هناك، أكل حتى امتلأ . جر حقيبته وراءه. نزل اللوبي فوجد مدير الفندق في انتظاره ليودعه. تصافحت الأيدي وتبادل الرجلان حديثا حميما، اختتمه أرخميدس مؤكدا للمدير بأن حمامات الفندق كانت لها الفضل الأكبر لما توصل إليه، فقد ساعدته على الاسترخاء كثيرًا ثم استرسل في الكلام مستفهما ومداعبًا الرجل بسؤال أخذ حيزًا كبيرًا من تفكيرة منذ أن نزل الفندق.

-هي حمامات الفندق دي روكا؟ (أرخميدس متسائلا)..
طبعا يا فندم أكيد روكا، أصل لو مفيش روكا يبقى مفيش همام.. أجاب المدير .

"انتهت"

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد