مع اقتراب الانتخابات البرلمانية الإيرانية في نهاية الشهر الجاري، تزداد التوقعات حول الدور الذي قد يلعبه تطبيق الرسائل الفورية "تليجرام" الذي يستخدمه ربع الإيرانيين، وهو التطبيق الذي اقترن انطلاقه باستخدام تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) له في بث دعايته، حيث يسمح تليجرام لمستخدميه بالبث لعدد لامحدود من الناس، عن طريق القنوات العامة مع التأكيد على حماية خصوصية المستخدمين.
إطلاق تليجرام بدأ في 2013، على يد الأخوين الروسيين بافل ونيكولاي ديوروف في برلين.
وفي إيران، استخدمه الشباب لقراءة الأخبار، والتواصل مع الأصدقاء أو مشاركة النكات. ومع كون التلفزيون الإيراني هو الناطق الحصري بلسان الجناح المتشدد، الذي عادة ما يعارض سياسات حكومة حسن روحاني المعتدلة، فقد اتجه المرشحون المؤيدون للإصلاح إلى تليجرام، كأكثر الوسائل قدرةً على نشر رسائلهم وأفكارهم.
استطلاع للرأي أجرته وكالة إسنا الإخبارية شبه الرسمية قال إن حوالي 20 مليون إيراني يستخدمون تليجرام، مُقللاً من عدد مستخدمي منافسه واتس آب، ومتفوقاً بذلك على فيسبوك وتويتر الممنوعين في إيران.
كما كان الإيرانيون متواجدين بكثرة على فايبر سابقاً، إلا أن حجب السلطات له دفع بملايين الإيرانيين لاستخدام تليجرام كبديل له.
حتى الآن يستطيع الإيرانيون استخدام تليجرام بشكل رسمي، إذ قامت الهيئة المسؤولة عن مراقبة الإنترنت بعقد اجتماع لمناقشة التدخل فيه، لكنها قررت أنه ما من داعٍ لفعل ذلك. رغم ذلك، مازال الوقت مبكراً لنعرف إن كان هذا مؤشراً لإدراك الطبقة الحاكمة الإيرانية أن محاربة شعبها على الإنترنت هو بلا جدوى.
منذ وصول روحاني للحكم في 2013، ساند حرية استخدام الشبكات الاجتماعية وتطبيقات الرسائل، كما عملت إدارته على زيادة سرعات الإنترنت على الرغم من مقاومة الجناح المتشدد في البلاد.
وقام العديد من أعضاء حكومته، مثل وزير الخارجية محمد جواد ظريف، بالتحايل على الحجب الرسمي لفيسبوك وتويتر. ولم يستطع الحجب الرسمي منع الإيرانيين من الوصول لتلك المواقع، حيث انتشر استخدام في بي إن "الشبكة الخاصة الافتراضية".
كما وُجِد جيل جديد من روّاد الأعمال الشباب الذين قاموا بإنشاء خدمات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم، مشعلين ثورة غير مقصودة من الأعمال والمبادرات الصغيرة.
ورغم مساندة حسن روحاني لحرية الإنترنت، إلا أن قرارات الحجب ليست في يد حكومته بشكل مطلق، إذ إن روحاني يقوم بتعيين 6 أشخاص فقط من أصل 13 شخصاً يكونون الهيئة المسؤولة عن مراقبة الإنترنت، أما باقي الأعضاء فيأتون من المؤسسة القضائية أو مؤسسات قريبة من القائد الأعلى آية الله علي خامنئي.
لكن الأمر يتحسّن، بحسب "علي أكبر موسوي خوئيني" نائب الرئيس السابق للجنة الاتصالات في البرلمان الإيراني، فعلى عكس الأشخاص المرتبطين بعهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، لا يدافع مناصرو روحاني عن سياسات الحجب القديمة والتي عاقبت الكثير من الإيرانيين، ومقارنة بغطاء الحجب الكامل القديم، هناك اتجاه نحو استخدام آليات التصفية الذكية.
هل ستستمر حرية تليجرام طويلاً؟ غالباً سيتم وضعه تحت المجهر في الفترة التي تسبق الانتخابات، وهي الفترة التي عادة ما تتصاعد فيها حملات الجناح المتشدد ضد حرية التعبير. لكن شهرة تليجرام قد تحميه، كما يرى موسوي خامنئي، حتى لا يغضب جمهور الناخبين.
ويتوقع موسوي خامنئي ازدياد قدرة روحاني على تعديل الحريات الإلكترونية، إذا نجح المزيد من الشخصيات المعتدلة في الوصول للبرلمان القادم.
بالإضافة إلى أن شهرة تليجرام وانتشاره تطرح تساؤلات جديدة بالنسبة للطبقة الحاكمة، بحسب التقرير الصادر عن إحدى منظمات المجتمع المدني التي تقوم بمراقبة سياسات الإنترنت وبنيته التحتية في إيران.
أشار تقرير نشرته مؤسسة "Small Media" البريطانية أنه بينما اتجهت سياسة الحكومة السابقة نحو منع وإدانة وتعطيل الخدمات التي تقدمها تطبيقات الرسائل الفورية، فهناك إشارات على قيام المؤسسات السياسية والإعلامية في إيران بالعمل على تطوير رد فعل مختلف قليلاً، وربما حتى استمالة المنصة المقصودة للتعاون معهم.
ورغم وجود هذه المؤشرات، إلا أنه ما من سياسة معينة تمَّ إقرارها بهذا الصدد، ومازالت الخلافات قائمة بخصوص دور تليجرام، بحسب ما ورد في التقرير.
تراقب السلطات المحتوى الموجود على هذا التطبيق عن كثب، في 2015 مثلاً انتشرت صورٌ لرجل يُدعى فاهيد، في أوضاع مخلّة، مما استرعى انتباه السلطات التي قامت باعتقاله، وطالبت تليجرام بمنع نشر المحتوى الإباحي على التطبيق وهو ما تمّت الاستجابة له من قِبل العاملين في شركة تليجرام.
تبلغ نسبة الإيرانيين على تليجرام 20% من إجمالي مستخدميه، ولا يزيد عنهم سوى الأميركيين، بحسب الشركة.
وتشير الإحصائيات إلى أن 72 % من الإيرانيين بين 18-29 عاماً يملكون هواتف ذكية، و42% من سكان المناطق الريفية يستطيعون الدخول إلى الشبكات الاجتماعية المختلفة، مما يجعل نشر الأفكار أمراً سهلاً، ويشير بعض الأكاديميين إلى أن شهرة وانتشار الشبكات الاجتماعية تعكس القيود على الطرق المعتادة للتعبير عن الرأي.
أحد المدونين الإيرانيين، المعروف على الإنترنت باسم فاهيد، يشير إلى أن الناس في المناطق الريفية اليوم يملكون هواتفهم الذكية التي تسمح لهم بالدخول إلى الإنترنت والاطّلاع على المحتوى الذي كان مقصوراً على من يمتلك كمبيوتراً أو بريداً إلكترونياً فقط.
وعلى الرغم من حجب يوتيوب في إيران، فإن العديد من مقاطع الفيديو على يوتيوب يمكنك مشاركتها على تليجرام.
ويظن فاهيد أن السلطات تتحمل تليجرام حتى الآن لأنه لا يملك خاصية تسمح بـ"الإعجاب" أو "مشاركة المحتوى مرة أخرى"، فالقنوات العامة هي محادثة من طرف واحد، حيث لا يستطيع المستخدمون كتابة التعليقات.
وتشيد آناهيتا بانياسادي الصحفية المقيمة بطهران بتليجرام، لأنه يجعل مشاركة الصور ومقاطع الفيديو أكثر سرعة، وهو الأمر الذي تجعله سياسات الحجب صعباً للغاية. كما أنه أفادها كصحفية، فمقالاتها على تليجرام أكثر قراءة من النسخة المطبوعة أو تلك الموجودة على الموقع الإلكتروني.
أما الشبكات الأجنبية التي تواجه الرقابة على مواقعها الإلكترونية أو الشبكات الاجتماعية، مثل الخدمة الفارسية لبي بي سي، أو تليفزيون مانوتوو ومقره لندن، فمازال الإيرانيون يمكنهم الوصول لقنواتها على تليجرام.
وتقول ناريمان غريب، محللة وسائل التواصل الاجتماعي إن الناس يستخدمون تليجرام اليوم بشكل دوري لنشر مقاطع الفيديو بدلاً عن البريد الإلكتروني.
الحملة الدولية لحقوق الإنسان بإيران تشير إلى أن التطبيق ليس منتشراً بين الناس العاديين فقط، بل ينتشر استخدامه أيضاً بين مسئولي الدولة لنشر البيانات العامة للجمهور، متضمناً أشخاص من الجناح المتشدد المنتمي للمؤسسة الأمنية أو العسكرية والذي يعمل في نفس الوقت على حجب تليجرام.