لماذا نكتب، وكيف نمتلك الجرأة على فعل الكتابة، وماذا تعني الكتابة لمن يمارس طقوسها، وهل تصلح أن تكون أنيسًا وصديقًا وعشقًا، ومتى ما تطلق سحرها في عقل ناسكها؛ فيصبح مهووسا بها.. يصاب بعشقها ولا يُشفى أبدا..
وهل الكتابة فن صامت وخجول ولا يفهمه إلا العقلاء؟ واذا كانت الكتابة متعة.. وأنت لا تكتب لأحد، فقط لنفسك.. تكتب للهرب، للتخلص من إحساس بضيق أو اختناق..
انها ليست مسألة إلهام، ولكن فقط لتستطيع أن تتنفس، وإذا كان هدف الكتابة التغيير، فهل من يكتب للناس يغيرهم ومن يكتب لنفسه يغيرها؟
ولما كانت الكتابة تخفف عنك الشعور بالوحدة وتحافظ على توازنك النفسي وتعطيك مساحة آمنة لتفريغ مشاعرك والتعبير عنها.. فهي إذن تحررك من سجن الواقع وتطلق العنان لخيالك لإعادة اختراع واقع من تصميمك أو كما يقول الأديب الأميركي مارك توين "الكتابة لمن يريدون التواجد في مكان آخر" والمكان الآخر هذا من اختراع الكاتب، إنها أفضل طريقة لتحويل آلامك وهمومك ومعاناتك إلى عمل فني يعطيك شعورا بالراحة النفسية.
لا تكتب بحثا عن مجد أو شهرة، ولكن اكتب كي تبحث عن حقيقة وجودية يقمعها الواقع، وتدمرها الحماقات.. فالكتابة هي عمل لإعادة عناصر هذه الحقيقة بشكل جمالي.. فالإنسان وُجد من أجل أن يؤدي دَينا لصالح الإنسانية، وأن عليه مسؤولية ضمير ومسؤولية أخلاقية.
الكتابة مساحة لإعادة النظر في هذا العالم من حولنا ومحاولة تفسيره للخروج بفهم أفضل لما يحصل فيه، إنها وقفة مع الزمن ومساحة للتأمل والنظر في الأشياء والأحداث بطريقة أعمق وأكثر تأملا بعد أن تعيد ترتيب الأحداث وتعيد تجميعها مرة أخرى للوصول إلى الحقيقة أو قريبا منها. اكتبْ لكي تتخيل الأشياء على نحو مختلف، وبتخّيل الأشياء بشكل مختلف.. ربما يمكن للعالم أن يتغير.
سئل الأديب والكاتب التركي أورهان باموك هذا السؤال: لماذا تكتب؟ فقال: "أكتب لأن تلك رغبتي، أكتب لأنني لا أقدر على القيام بشيء آخر غير الكتابة، أكتب كي أشير أو أناقش بعض الآراء التي وردت في كتبي، أكتب لأنني غاضب منكم جميعا، من العالم كله. أكتب لأنه يروق لي أن أنزوي في غرفتي اليوم كله. أكتب لأنني لا أستطيع تحمل الحقيقة إلا وأنا أغيّرها، أكتب حتى يعرف العالم أجمع أي حياة عشنا، وأي حياة نعيش، أكتب لأنني أحب رائحة الورق والحبر، أكتب لأنني أؤمن فوق ما أؤمن به، بالآداب وبفن الرواية ومن ثم بالصحافة، أكتب لأن الكتابة عادة وشغف".
أكتب لأن الكتابة تنفيس للعقل والقلب واستمطار للآراء وتلقيح للأفكار، فالكتابة نوع من السياحة في جنبات الأرض، أكتب إذن أنا موجود. على عكس ما قاله سارتر: أنا أشك إذن أنا موجود. اتخذ من الشك منهجا، وليس نهاية أو نتيجة. فالشك يجعلك تعود لمظان كثيرة لتتأكد مما تشك فيه قبل أن تكتب. فالكتابة جزء من الوجود الفكري للكاتب وليس الشك وحسب.
الكتابة تعطيك شعورا بحالة من التوحد مع نفسك، فتجد النفس تنصاع لك مسالمة رقيقة كالنسيم، تلمسها كالياسمين فتطرح عبيرا فواحا، الكتابة مصالحة مع النفس. لا يمكنك أن تكتب مخاصما نفسك، فالعشق أصل الكتابة.
وأنت لا تحتاج شيئا كي تكتب، طالما لم تلزم نفسك مهاما أكبر من حدود تجاربك الذاتية، فحياة كل منا ثرية بالتفاصيل والمواقف، بعضها لا نقوى على تذكره إما لعاديته أو لأننا قررنا بشكل أو آخر إسقاطه من حياتنا، والبعض الآخر نهر من الحزن والشجن والفرح حفرت في ذكرياتنا مجراها جديرة بأن تلون مياهها كتابات لتبقى وتخلد بعد أن تنتهي رحلتنا. فلن يستطع أحد أن يكتب ما تشعر أنت به فقط، قد يستطيع كتابته بشكل حرفي أمهر منك، لكن سيفتقد صدقك ومشاعرك.
للوهلة الاولى قد تظن ان الكتابة عملية صعبة ومعقدة، لكنها غير ذلك وإن بدت، وفي كل الأحوال الحل الوحيد لخوض غمارها هو الشروع فيها دون أي تردد.. فاكتب.. لا تتردد.. اكتب كي لا تكون وحيدا فالكتابة فعل إنساني يغوص في حياة بشر من لحم ودم ومشاعر وقدرات متفاوتة من التفكير وتراكم الخبرات، فأنت لا تكتب لنفسك..
اكتب لكي تتصالح مع الأشياء التي لا تستطيع السيطرة عليها فالكتابة تعطي شكلا من النظام لفوضى الحياه، إنها تنظم الحياة.
اكتب كي تواجه أشباحك.. اكتب لتتحرر من صمتك..
وأخيرًا.. اكتب لتصنع الخيال!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.