وأنا في الطائرة أثناء رحلتي إلى بلد عربي للسياحة، كنت أقرأ كتباً عن ذلك البلد وما فيه من مناطق تستحق الزيارة والمشاهدة، معلومات عنه وعن تاريخه العريق والحضارات التي تعاقبت عليه وكيف علا شأنه وتطور في فترة وجيزة، حطت الطائرة بحمد الله ورعايته، لم يستغرق إنهاء إجراءات سفري أكثر من خمس دقائق، وكم كان التعامل معي راقياً لدرجة أنني تفاجأت، لن أحدثكم عن المطار وفخامته وحجمه والإمكانات المتوفرة فيه فهذا يحتاج لكلام كثير، في طريقي من المطار إلى الفندق شدني جمال البلد وطبيعته الخلابة ونظافته والاهتمام بكل تفصيل من التفاصيل فيه..
فعلاً بلد يستحق الزيارة، كنت أتأمل كل شيء من حولي فالمناظر آسرة ومقومات السياحة كثيرة شعرت من دهشتي وكأنني أسافر لأول مرة، لم أدرِ إلا وباب السيارة التي تقلني يفتح وشخص ينحني أمامي قائلاً: أهلاً بك معنا، لقد وصلت للفندق الذي سأقيم فيه خلال رحلتي، استقبلني الجميع وكأنني ملك من الملوك أو كأنني مالك الفندق وأنا لا أعرف، الكل مبتسم ومرحب، الكل يخدمني، الكل ينحني لي، فعلاً هذا هو البلد التي يستحق الزيارة وهؤلاء هم من يعرفون ويعون معنى السياحة.
بعد أن رتبت أغراضي توجهت إلى الكونسياج أو كاونتر خدمة العملاء في الفندق وسألتهم أين يمكن أن أمشي فالمشي رياضتي المفضلة وهي مهمة جداً لي ولكم، أشاروا إليَّ أن أتوجه إلى الساحل حيث الراحة والهدوء والنسمة العليلة، كما أن الجو جميل يساعد على المشي، بعد أن أخذت كل التوجيهات ووضعت الإحداثيات في خرائط الغوغل بدأت رحلة المشي، كان جميع من حولي يحفزونني على المشي أو أنني كنت أستخدم كل من حولي لأحفز نفسي، فإن رأيت شاباً يمشي أقول لنفسي أرِه يا نفسي قوتك فأحاول ملاحقته وسبقه، وإن رأيت شخصاً متعباً أقول لنفسي أنتَ الأفضل استمر، وصلت إلى الساحل وياله من منظر جميل! طيور النورس تحلق في كل مكان، والأمواج تتلاطم في سيمفونية عذبة، والناس على الشاطئ في كل مكان، مشيت ومشيت إلى أن أعياني التعب فقد قطعت مسافة لا بأس بها، وجدت كرسيًّا أمام البحر، توجهت إليه وكان يجلس على جزء منه رجل يبدو عليه الوقار والغنى، يمسك بالجريدة ويتصفحها، ألقيت عليه التحية وجلست أستنشق ما يمكن استنشاقه من هذا العبير الذي منحنا الله إياه، عبير البحر الذي يتغلغل داخل أرواحنا..
جلست أتأمل كل شيء حولي، أتخيل نفسي مثل تلك الطيور محلقاً فوق كل شيء بلا حدود أو حواجز أطير وأطير، وبينما أنا كذلك إذا بطائر قد ألقى بفضلاته على كتف الرجل الجالس بجواري، نظرت إليه وأنا أشير إليه أسفاً على ما حدث له وأن تلك الطيور شيء مقزز ولا تُقَدِّر أحداً وأنها وأنها، ابتسم الرجل وقال لي: هل تعلم أن ذلك فأل جيد، وأن من يحصل له ذلك سيرزق بمال وفير وخير كثير، منذ أكثر من ثلاثين سنة كنت معدماً لا أملك قوت يومي، كنت أجلس نفس جلستي هذه على شاطئ البحر وألقى عليَّ طير بفضلاته، غضبت حينها بشدة، تذمرت وسببت ولعنت، كان هناك رجل حكيم يراقبني من بعيد، أتى إليَّ وهدأني وأخبرني بما أخبرك به الآن ومن حينها فتح الله عليَّ.
أثناء تجوالي في أي بلد أسافر إليه أحاول التعرف على عادات وتقاليد أهل هذا البلد، كانت فرصة بالنسبة لي أن أدرس الطباع والعادات والتقاليد، بدأت أراقب وأسأل وأشاهد وأتأمل، اكتشفت أشياء كثيرة وهذا أمر طبيعي فلكل بلد ثقافته وبيئته الخاصة التي تؤثر في سكانه وقاطنيه، الكرم والضيافة والبشاشة هي السمة العامة لسكان هذا البلد، جلست مع أناس كثر شباب وشيوخ، بنات ونساء، أخذت عنهم العادات والتقاليد، كم هو جميل التعرف على الشعوب فقد ذكر الله ذلك في القرآن الكريم.
كنت أسمع بين الفينة والأخرى أشياء أتعجب منها، أشياء تعتبر مسلمات وحقيقة بالنسبة لقائليها، البعض يحلف بالله أيماناً مغلظةً أنه متأكد من صحة ما يقول، وأن ما يقولونه أشياء مجربة وليست مجرد هراء، أخبرتني فتاة مثقفة واسعة الاطلاع والمعرفة أن من شعر بالحكة في أنفه بشكل مستمر سيسمع أخبار موت أحدهم، تعجبت واعترضت ورفضت قبول الفكرة، قالت لي وهي منفعلة: أنا لا أقول هذا الكلام اعتباطًا أنا أقول ذلك عن تجربة، في المرة الأولى شعرت بالحكة في أنفي سمعت بعدها أن عمي قد توفي، في المرة الثانية شعرت بنفس الحكة فتوفي أحد أقربائي.. وهكذا كان الحال في المرة الثالثة، سجلت المعلومة في ذاكرتي وبدأت أتذكر ما سمعته خلال تجوالي في أنحاء عالمنا العربي، قال لي أحدهم ذات مرة أن من رأى سيارة نقل الأموات بكثرة فذاك يعني أن الشخص سيصبح غنيًّا ويأتيه رزقه من حيث لا يحتسب، في بلد آخر هناك مقولة مشابهة لتلك ولكن نوع السيارة يختلف فهم يقولون أن من رأى سيارة جمع النفايات بكثرة سيحصل على خير كثير، فعلاً الدنيا أصبحت قرية صغيرة فكل شيء فيها قد يكون متشابهاً إلى حد ما.
مما سمعت أيضاً في عدة دول أن ومن وجد حذاءه على الحذاء الآخر فذلك يعني أنه سيسافر، وأن من وجد المقص ملقى على الأرض وهو مفتوح فبالتأكيد ستكون هناك مشكلة أو اختلاف داخل المنزل..
أشياء كثيرة كنت أسمعها ولم ألق لها بالاً ولكنني بدأت أركز فيها وفيمن يقولون ذلك، خصوصاً أن جميع أجزاء الجسم وحركاتها وسكناتها إشارات لحدث ما، رفرفة العين اليسرى مثلاً تنبئ عن خبر غير سار أو رؤية شيء غير سار، ورفرفة العين اليمنى تنبئ عن خبر جميل أو رؤية شيء جميل، أما إذا حككت يدك اليمنى فإنك ستحصل على المال وإذا حككت اليد اليسرى فذلك يعني أنك ستدفع مالاً، أما الشعور بالحكة في الساق اليمنى فيعني أنك ستسير في موضوع جميل كفرح أو ما شابه، أما الشعور بالحكة في الساق اليسرى فيعني أنك ستمشي في موضوع محزن كجنازة، سقوط الرمش أو العطس وأنت تأكل تشير إلى ضيف قادم سيأكل معك، وتفل الشاهي الذي يكون في وجه كوب الشاهي يدل على قدوم ضيف، أما الدائرة في وسط وجه فنجان القهوة فهو رزق، ولو تزامنت الدائرة مع حكة اليد فذلك يسمى قبضه من قبض الفلوس، وأن الطيور لو ألقت بفضلاتها عليك فإنك ستصبح من الأثرياء كما ذكر لي ذلك الثري الذي جلست بجانبه على البحر.
أقوال كثيرة من هنا وهناك وبحسب قائليها هي مجربة وواقعية والتجربة خير برهان، هذه الأشياء لم تكن وليدة اللحظة بل هي موروث من زمان، أناس يتصرفون في حياتهم بناء عليها وأحياناً قد يوقفون حياتهم لأنهم يشعرون بالحكة في جزء من أجزاء جسمهم، نسيت أنني مسافر لبلد آخر ولا بد لي من التمتع بجماله، نسيت أنني أتيت للراحة وللاستجمام ونسيان كل شيء، لم أستطع أن أوقف تفكيري حول هذا الموضوع، كيف نفكر بهذه الطريقة ونحن في حياة يعتبر العلم والتكنولوجيا هما أساسها، كيف نفكر بهذا المنطق ولا نفكر بعقلانية؟ كيف نعتقد في ذلك وهو بعيد كل البعد عن الدين، كيف وكيف وكيف؟ من يعتقد أن الطير عندما (تتبرز) عليه خير وغنى؟ فليذهب جميع الفقراء إلى حديقة الطيور وليجلسوا لعدة ساعات تحت الطيور وبالتأكيد سينالون من براز الطيور الشيء الكثير، أو ليذهبوا إلى أي مكان فيه طيور كثيرة ولينتظروا فالطيور ستعطيهم الإشارة التي ينتظرون، ستعطيهم فضلاتها التي تقول لهم هذه بداية الطريق للغنى والثراء وقد يأتي أحد التجار ليجعل من ذلك مشروعا تجاريا، يأتي العميل ويدفع بعض الرسوم ويدخل في ممر ضيق والطيور في سقفه تتبرز كيفما شاءت.
حك الأيدي أو هرش الأيدي كما يقال في بعض الدول يعني إعطاء شيء أو أخذ شيء حسناً. ما بال من كان مشلولاً، ما بال من كانت يده مقطوعة نتيجة حرب أو نتيجة أي سبب كان ولا يستطيع أن يهرش؟ الجزمة على الجزمة سَفَر، جميل جداً ولقد أعجبت بالفكرة ولكن ماذا لو كانت الجزمة التي فعلت ذلك لطفل صغير هل تعني سفره؟ بالطبع سيجيب هؤلاء الجهلة سيسافر مع أهله، من أجمل ما سمعت في حياتي توصيات تقول: عندما تصلي لا تترك السجادة مفروشة على الأرض فالشيطان سيصلي عليها، وفي رواية أخرى سيتبول عليها.
متى نفيق يا عالمنا من كل هذا؟ متى نستيقظ ونوقظ أنفسنا؟ متى نفكر في كل شيء حتى نكون كمن كانوا وكمن هم كائنون، ألا يكفينا وهم وترهات نسمعها ونتناقلها ونعيش بها ونعتقد فيها ونتمسك بمعظمها؟ ألا يكفينا كم ضيعنا وكم وكم؟ أستأذنكم الآن سأذهب لأفتح حسابا مميزا بالبنك لأنني سأصبح غنياً وثرياً جداً فقد مررت بأحداث كثيرة تشير إلى ذلك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.